أعلن طرفا التفاوض بين الولايات المتحدة والصين أنهما توصلا إلى هدنة تجارية جديدة، ستُرفع لزعيمي البلدين لاعتمادها رسميًا، ويأتي ذلك بعد أشهر من حرب تجارية شرسة وتصعيد متبادل بين واشنطن وبكين.
وفي هذا السياق، صرّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن “الاتفاق اكتمل”، مشيرًا إلى أن الصين وافقت على تزويد الولايات المتحدة بكامل احتياجاتها من المغناطيسات والمعادن الأرضية النادرة.
هذا الإعلان أعاد الأمل للأسواق والمستثمرين، بعد شهور من اضطراب سلاسل التوريد وارتفاع تكاليف الاستيراد.
على الرغم من التصريحات المتفائلة، فإن ما يُسمى بـ الهدنة التجارية لا يبدو أكثر من محاولة لتجميد التصعيد مؤقتًا، دون معالجة جوهر الخلافات، فالتعريفات الجمركية المرتفعة لا تزال قائمة، والقيود على التصدير لم تُلغَ، والتوتر في العلاقات التجارية بين البلدين لا يزال مرتفعًا.
فالولايات المتحدة، على سبيل المثال، لم تُعد فتح أسواقها للسيارات الصينية، كما أن صادرات التكنولوجيا، لا سيما رقائق الذكاء الاصطناعي، لا تزال محظورة.
وفي المقابل، لم تلتزم الصين بإعادة فتح السوق بالكامل أمام المواد الأرضية النادرة، ما يثير تساؤلات حول مدى فاعلية الاتفاق الجديد.
جاءت الهدنة التجارية في وقت حرج، إذ تزايدت المخاوف من ركود اقتصادي عالمي نتيجة الرسوم الجمركية المشددة.
وكانت الرسوم التي فرضتها إدارة ترامب، وتجاوزت 145% على بعض الواردات، قد شلّت حركة التجارة بين البلدين، وأربكت الشركات التي تعتمد على قطع الغيار أو المواد الخام القادمة من الصين.
وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسنت، قال إن “مستوى الرسوم السابقة كان غير مستدام”، مشيرًا إلى أن اتفاق الهدنة سيمنح الأسواق بعض الاستقرار، إذا تم الالتزام به فعليًا.
لكن الخلافات بين واشنطن وبكين تتجاوز المسائل الجمركية، فإدارة ترامب – كما إدارة بايدن من قبل – تتهم الصين بعدم معاملة الشركات الأميركية بإنصاف، وتشجيع ممارسات مثل سرقة الملكية الفكرية.
ومن جهتها، تنفي الصين هذه الاتهامات وتتهم واشنطن بفرض حصار تكنولوجي.
الهدنة التجارية، في شكلها الحالي، لم تُنهِ القيود الأميركية على شركات التجارة الإلكترونية الصينية مثل “شين” و”تيمو”، بعد إلغاء الإعفاءات الضريبية للطرود الصغيرة، كما لم تُرفع العقوبات على شركات الطيران الأميركية مثل بوينغ، التي لم تُبرم أي صفقة كبيرة مع الصين منذ عام 2019.
تشكل المعادن الأرضية النادرة ورقة ضغط قوية في يد الصين، التي تحتكر أكثر من 85% من الإمدادات العالمية.
هذه المواد أساسية لصناعة الهواتف الذكية، محركات الطائرات، وبعض أدوية السرطان، وعلى الرغم من تعهدات الرئيس الصيني شي جين بينغ، إلا أن هذه المواد لم تعد تتدفق إلى السوق الأميركية كما كانت.
هذا التأخر في التنفيذ أثار غضب إدارة ترامب، التي ردت بمزيد من القيود على تصدير السلع الأميركية، وبحسب محللين، فإن الصين تُمسك بهذه الورقة للتفاوض من موقع قوة.
حتى الشركات الكبرى مثل آبل لم تنجُ من تداعيات الحرب التجارية، فقد أعلنت الشركة أنها ستتكبد نحو 900 مليون دولار من التكاليف الإضافية بسبب الرسوم الجمركية، ما دفعها لنقل جزء من تصنيع هواتف آيفون إلى الهند.
وفي حين استطاعت بعض الشركات التكيف مع الظروف الجديدة، فإن معظم الشركات الصغيرة والمتوسطة لا تملك الموارد لإعادة تشكيل سلاسل التوريد، مما يزيد من تكلفة السلع على المستهلكين الأميركيين.
رغم إعلان الهدنة التجارية، فإن الطريق لا يزال طويلاً أمام تهدئة حقيقية بين أكبر اقتصادين في العالم، ولا تزال المخاوف قائمة من أن تكون الهدنة مجرّد مرحلة مؤقتة قبل جولة تصعيد جديدة، لا سيما مع استمرار الخطاب العدائي من الجانبين.
الهدنة التجارية، رغم ما تحمله من بارقة أمل، لا يمكن اعتبارها نهاية الصراع بقدر ما هي استراحة محارب في معركة طويلة الأمد، وحتى إشعار آخر، يبقى مصير العلاقة التجارية بين واشنطن وبكين رهناً بالتنفيذ الحقيقي، وليس بالتصريحات فقط.
يمكنك أن تقرأ أيضًا:
بعد أسبوع من السجال الناري.. ماسك نادم على مهاجمة ترامب