تحتضن منطقة العُيينة التابعة لمحافظة الدرعية أول محطة تحلية في العالم تعمل بتقنية التبريد بالامتصاص، والتي تُشكّل إنجازًا علميًا وتقنيًا يواكب مستهدفات رؤية السعودية 2030 في تنويع مصادر الطاقة وتعزيز كفاءة قطاع المياه.
وتُعد محطة تحلية المياه بتقنية الامتصاص إحدى المبادرات المبتكرة التي تجمع بين التحلية والتبريد وبلورة الأملاح في منظومة صناعية واحدة، ما يجعلها نموذجًا تطبيقيًا فريدًا على مستوى العالم. وقد بدأ العمل على المشروع في عام 2017م، وتم تدشينه رسميًا في 21 فبراير من العام نفسه، ليصبح علامة فارقة في مسيرة التحلية السعودية.
طاقة شمسية.. ومخرجات متعددة
تعمل المحطة بالطاقة الشمسية وهل المصدر الرئيس لتوليد الكهرباء والحرارة اللازمة للتشغيل، ويبلغ حجم استهلاكها نحو 3.5 ميجاوات من الطاقة الحرارية و1.5 ميجاوات من الطاقة الكهربائية يوميًا، لتنتج نحو 5 آلاف متر مكعب من المياه المحلاة تُنقل إلى مدينة رابغ، إضافة إلى 700 كيلوجرام من الملح المبلور الذي يجري استخلاصه ضمن عملية البلورة الصناعية.
ولا تقتصر هذه التقنية المتقدمة على إنتاج المياه فحسب، بل تحقق أيضًا كفاءة عالية في استغلال الموارد الحرارية والطاقة المهدرة، بما يتوافق مع مبادئ الاستدامة البيئية وتقليل الانبعاثات الكربونية. وتُسهم المحطة في خفض نحو 3.7 أطنان سنويًا من غاز ثاني أكسيد الكربون، ما يعزز دورها كأحد الحلول العملية لتحقيق الحياد الكربوني مستقبلًا.
وجرى تطوير محطة العُيينة من خلال شراكة بين مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية والمؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، بمساندة من شركاء دوليين وخبرات وطنية. وتم خلال مراحل المشروع تصميم نظام تحلية جديد بالكامل، خضع لسلسلة من الاختبارات والتحليلات لضمان فاعليته الصناعية وقدرته على العمل في بيئات مناخية قاسية. وتُعد المحطة نواة لمجموعة من المشاريع البحثية الداعمة، من بينها محطة تجريبية في القرية الشمسية بالعُيينة، وأخرى صناعية تجارية صغيرة في رابغ، وذلك في إطار مساعي توطين تقنيات المياه المتقدمة ونقل المعرفة إلى الكوادر السعودية.
أهداف بيئية واستراتيجية
تسعى المحطة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية، أبرزها:
- توظيف الطاقة المتجددة المباشرة في عمليات التحلية الحرارية.
- تحقيق مبدأ الرجيع الملحي الصفري الذي يحدّ من الأثر البيئي لمحطات التحلية.
- رفع كفاءة استهلاك الطاقة وتقليل النفايات الصناعية.
- توطين التقنيات الحديثة ونقل الخبرة إلى المؤسسات المحلية والجامعات الوطنية.
وتعتمد المحطة على أنظمة امتصاص بالمواد الصلبة (ADC) التي تعد من أحدث الابتكارات في مجالي التحلية والتبريد الصناعي، وتتميز بقدرتها على الاستفادة من الحرارة الناتجة عن الطاقة الشمسية أو المهدرة من محطات الكهرباء ومصافي النفط.
إنجازات واعتراف دولي
حصل مشروع محطة العُيينة على براءتي اختراع نظير ما قدّمه من حلول علمية جديدة في تقنيات التحلية بالتبريد، ليعزز مكانة المملكة كإحدى الدول الرائدة في أبحاث تحلية المياه على مستوى العالم. كما أثبتت التجارب التشغيلية للمحطة موثوقية النظام المستخدم وكفاءته الاقتصادية، ما يفتح المجال أمام توسيع النموذج في محطات أخرى مستقبلًا داخل المملكة وخارجها.
ويأتي مشروع العُيينة امتدادًا لمسيرة طويلة من التميز السعودي في مجال تحلية المياه، إذ تُعد المملكة اليوم أكبر منتج للمياه المحلاة عالميًا بنسبة تتجاوز 18% من الإنتاج العالمي. وتواصل المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة تطوير محطاتها على الساحلين الشرقي والغربي باستخدام أحدث التقنيات وأكثرها كفاءة في استهلاك الطاقة.
اقرأ أيضًا:
إنفوجرافيك| أبرز رسائل وزير الطاقة في “أسبوع الطاقة الروسي”
من ندرة الموارد إلى الريادة العالمية.. المملكة نموذج عالمي لاستدامة المياه
كيف تراقب المملكة التسربات الإشعاعية لحماية بيئتها؟













