logo alelm
هل الإفراط في البروتين يقوّي الجسد أم يرهقه؟

في زمن تضج فيه وسائل التواصل بنصائح حول «زيادة البروتين» و«مشروبات الشيك الغنية بالبروتين»، يبدو السؤال أبسط مما يحتمل، ماذا يحدث إن بالغنا في تناوله؟ المفارقة أن ما يُروّج له على أنه سرّ الصحة والعضلات قد يخفي في طيّاته وجهًا آخر أقل بريقًا.

شكّل البروتين عبر التاريخ حجر الأساس في بقاء الإنسان، إذ بفضله تتكوّن العضلات والأنزيمات والهرمونات، ويقوى الجهاز المناعي على صدّ الأمراض. ومن دون حصته اليومية، ينهار «محرك» الجسد.

وفق الإرشادات الغذائية في أستراليا، يحتاج البالغون ما بين 15% و25% من طاقاتهم اليومية عبر البروتين. ويُترجم ذلك إلى نحو 76 جراما لرجل يزن 90 كيلوجراما، أو 53 جراما لامرأة تزن 70 كيلوجراما.

هل نأكل أكثر مما نحتاج؟

تُظهر البيانات أن معظم الأستراليين، شأنهم شأن كثير من الشعوب، يتناولون كفايتهم من البروتين، بل يتجاوزونها أحيانًا. ورغم ذلك، يواصل كثيرون إضافة المكملات والمساحيق وكأنها بطاقة مضمونة لبناء القوة.

غير أن الدراسات تشير إلى أن الاستفادة القصوى تتوقف عند مستوى معيّن، أي 1.6 جرام لكل كيلوجرام من وزن الجسم يوميًا لمن يمارسون تدريبات المقاومة. ما بعد ذلك لا يمنح العضلات مزيدًا من الحجم أو القوة، بل يضيف عبئًا صامتًا على الجسد.

ماذا يحدث عندما نفرط؟

الفائض لا يخرج من الجسم ببساطة. جزء منه يتحوّل إلى طاقة، وما يزيد على الحاجة يُخزَّن في صورة دهون.

وفي حالات خاصة، قد يتحوّل البروتين من صديق إلى خصم. مرضى الفشل الكلوي، مثلًا، يتوجب عليهم تقليص استهلاكهم بدقة، وإلا تضررت الكلى أكثر. وهناك حالة تعرف بـ«تسمم البروتين» أو «جوع الأرانب»، حين يعتمد الإنسان على لحم شديد الهزال من دون توازن مع الدهون والكربوهيدرات، فيصاب بإعياء خطير كما وثّق المستكشف فيلهلمور ستيفانسون مطلع القرن العشرين.

هل كل البروتينات متساوية؟

المعادلة لا تقف عند الكمّ، بل عند المصدر. البروتين الحيواني -من اللحوم والبيض ومنتجات الألبان- ارتبط في دراسات عديدة بزيادة خطر الوفاة المبكرة، خصوصًا من السرطان أو السكري من النوع الثاني.

وفي المقابل، ارتبطت البروتينات النباتية -من العدس والفاصوليا والحبوب الكاملة- بمنافع أوضح، خفض خطر أمراض القلب، تعزيز صحة الأمعاء بفضل الألياف، والحد من الالتهابات المزمنة.

أين يكمن التوازن؟

يبدو أن البحث عن القوة عبر مكيال البروتين وحده يضلّل الصورة الكاملة. فالجسم يحتاج إلى تناغم بين البروتينات والدهون والكربوهيدرات والفيتامينات.

الإفراط في عنصر واحد يخلّ بالتوازن، كما أن التركيز على المصادر الحيوانية وحدها يضاعف مخاطر أمراض مزمنة. في سياق متصل، تحذر التوصيات الصحية الأسترالية من الإفراط في الدهون المشبعة، التي تتسلل عادة عبر الأطعمة الغنية بالبروتين الحيواني.

ما وراء الضجيج

تسويق البروتين اليوم لا يخلو من صناعة ضخمة تستغل شغف الناس باللياقة. تُزيّن العبوات بكلمات مثل «هاي بروتين» أو «قوة إضافية»، لكنها تتجاهل أن الجسم قد لا يحتاج كل تلك الزيادة.

المسألة لا تكمن في مزيد من البروتين بقدر ما تكمن في تنويع المصادر والالتزام بالقدر الكافي.

في النهاية، يظل البروتين عنصرًا أساسيًا لا غنى عنه، لكنه ليس العصا السحرية التي تُختزل فيها الصحة. ربما يكمن الدرس الأعمق في أن أجسادنا لا تطلب فائضًا يرهقها، بل توازنًا يحفظها.

شارك هذا المنشور:

المقالة السابقة

ماذا لو أحكم ترامب سيطرته على الاحتياطي الفيدرالي؟

المقالة التالية

اشتياق مفاجئ لأطعمة معينة.. هل هو إشارة خفية للسرطان؟