logo alelm
ما الذي ينقص دماغ السيكوباتيين؟ علماء الأعصاب يكشفون أدلة مذهلة

ما الذي يجعل بعض الأشخاص لا يشعرون بالندم بعد ارتكاب أفعال وحشية؟ ولماذا يفتقر آخرون إلى أبسط أشكال التعاطف؟ سؤال لطالما حيّر علماء النفس والدماغ، لكن دراسة جديدة ترسم خريطة مذهلة لذلك الغياب… غياب المناطق المسؤولة عن «التحكم» و«الرحمة» في الدماغ البشري.

في بحث نُشر مؤخرًا في دورية «European Archives of Psychiatry and Clinical Neuroscience»، كشف فريق من الباحثين الألمان والأمريكيين عن تغيّرات واسعة النطاق في أدمغة الأشخاص الذين يحملون صفات سيكوباتية، مستخدمين خريطة الدماغ «Jülich-Brain Atlas» وتقنيات تصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) عالية الدقة.

تحليل صور دماغ 39 رجلًا بالغًا ممن تم تشخيصهم بالسيكوباتية، أظهر انخفاضًا واضحًا في حجم مناطق دماغية مرتبطة بالعاطفة والسيطرة والانضباط الذاتي، مقارنة بمجموعة ضابطة مطابقة لهم في الخصائص الأساسي

أيّ مناطق في الدماغ تُصاب بالضمور؟

بحسب الدراسة، فإن الأشخاص الذين يسجلون معدلات مرتفعة من السلوك المعادي للمجتمع -وهو ما يُعرف بالعنصر الثاني في اختبار السيكوباتية الشهير (PCL-R)- يعانون من انخفاض في حجم بنى دماغية رئيسية، منها: العقد القاعدية، والمهاد، والدماغ الأمامي القاعدي، وجذع الدماغ، والمخيخ، وقشرة الدماغ الجبهية المدارية وقشرة الجزيرة.

وتُعد هذه المناطق مسؤولة عن تنظيم المشاعر، واتخاذ القرار، والتحكم في الاندفاعات، والسلوك الاجتماعي. ومع تراجع حجمها، يصبح «الفرامل الداخلية» للسلوك أقل فاعلية، ما قد يفسر السلوك العدواني أو اللامبالي الذي يظهر عند بعض الأفراد.

ماذا عن الخداع واللامبالاة العاطفية؟

في المقابل، لم تكن العلاقة بين العامل الأول في السيكوباتية -المتمثل في الخداع المرضي والبرود العاطفي- بالوضوح نفسه، حيث أظهرت الدراسة وجود تغيرات محدودة وغير منتظمة في مناطق مثل الفص الجبهي والمخيخ والقرن الصدغي، لكنها لم تكن متكررة أو ثابتة بين جميع المشاركين.

ما يلمح إلى أن هذه الصفات قد لا ترتبط مباشرة ببنية دماغية معينة، بل ربما تتشكل عبر تفاعل معقد بين العوامل الوراثية والتجارب الاجتماعية المبكرة.

هل هناك انخفاض عام في حجم الدماغ؟

نعم. إحدى النتائج اللافتة في الدراسة كانت الانخفاض العام في حجم الدماغ لدى مجموعة السيكوباتيين، مقارنةً بالأشخاص العاديين. وكان التقلّص الأوضح في منطقة «التحتiculum» اليمنى، وهي جزء من الحُصين المسؤول عن الذاكرة والتعلّم المكاني.

ورغم أن انخفاض الحجم لا يعني بالضرورة تراجعًا في الوظيفة، فإنه يشير إلى نمط مميز في البنية العصبية قد يكون عاملًا رئيسيًا في تكوين الاضطراب السلوكي.

ويأتي هذا الاكتشاف في لحظة مفصلية، حيث تتجه علوم الأعصاب نحو فهم «الجذور البيولوجية» للعدوانية. وبحسب القائمين على الدراسة، فإن هذه النتائج تمهّد الطريق لأبحاث أوسع ضمن مبادرة ألمانية ضخمة بعنوان «النهج العابر للتشخيص في الاضطرابات النفسية العدوانية»، التي ستُجرى في السنوات القادمة بالتعاون بين جامعات آخن وهايدلبيرج وفرانكفورت، ومعهد يوليش.

هدف هذه الدراسات ليس تبرير الجرائم، بل بناء نماذج تشخيصية أدق وعلاجات أكثر فاعلية للأشخاص المعرضين للانزلاق إلى مسارات سلوكية خطرة.

ولا تقول الدراسة إن السيكوباتيين يولدون مجرمين، لكنها تكشف عن علامات مادية -يمكن رصدها وتوثيقها- في أدمغتهم. وهذا يدفعنا إلى التفكير في السؤال الأخلاقي العميق: إذا كان الشخص يفتقر بيولوجيًا إلى مناطق الدماغ المسؤولة عن الشعور بالذنب، فهل يتحمل كامل المسؤولية عن أفعاله؟ وماذا يعني هذا لمفهوم العقاب والعدالة؟

تُظهر هذه الدراسة أن الشر -أو جزءًا منه – ربما يُكتب في ثنايا الدماغ قبل أن يُترجم إلى أفعال. لكنّ العلم، بخلاف الأحكام الأخلاقية، لا يسعى إلى الإدانة بل إلى الفهم. ومن خلال هذا الفهم، ربما نستطيع أن نمنع، لا أن ننتقم.

شارك هذا المنشور:

المقالة السابقة

إنفوجرافيك| أكثر حلبات “فورمولا 1” احتضانًا للسباقات

المقالة التالية

أهم التقنيات الناشئة لعام 2025.. حلول لمشكلاتنا الكبرى