كشفت دراسة علمية جديدة أن الطريقة التي نستخدم بها هواتفنا الذكية يوميًا، من أنماط حركتنا ونومنا إلى عادات شحن الهاتف، يمكن أن تكون مؤشرًا دقيقًا على مخاطر الصحة النفسية الخفية. وقد أثبت فريق من العلماء، في بحث نُشر في مجلة “JAMA Network Open”، أن تحليل البيانات التي تجمعها مستشعرات الهواتف بشكل سلبي يفتح الباب أمام إمكانية الكشف المبكر عن الأمراض النفسية قبل تفاقمها.
في الدراسة، التي مولتها المعاهد الوطنية للصحة الأمريكية، قام باحثون من جامعات ميشيغان ومينيسوتا وبيتسبرغ بمراقبة السلوك اليومي لـ 557 شخصًا بالغًا لمدة 15 يومًا، وذلك من خلال مستشعرات هواتفهم الذكية فقط، دون أي تدخل مباشر. وقد التقطت هذه المستشعرات بيانات حول الأنشطة الروتينية مثل الحركة الجسدية، وعادات النوم، وأنماط استخدام الهاتف. وكانت النتائج لافتة، حيث وجدت الدراسة أن هناك مجموعة من السلوكيات المشتركة التي تتكرر عبر أنواع مختلفة من الأمراض النفسية. وتشمل هذه الأنماط قضاء وقت أطول في المنزل، والاستيقاظ في وقت متأخر من اليوم، وشحن الهاتف في أوقات غير منتظمة.
وأوضح الباحثون أن أحد أسباب تواضع التقدم في مجال الطب النفسي الرقمي حتى الآن هو أن الدراسات السابقة كانت تحاول التنبؤ بتشخيصات تقليدية محددة من “الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية” (DSM-5). لكن هذه التشخيصات، بحسب المؤلف الرئيسي للدراسة أيدان رايت، يصعب رصدها لأنها غير متجانسة وتتداخل أعراضها مع تشخيصات أخرى. ولتجاوز هذه العقبة، ركزت الدراسة الجديدة على نهج مختلف. فبدلًا من محاولة التنبؤ بتسمية مرض معين، قام الباحثون بربط الأنماط السلوكية بما يُعرف بـ “عامل الاحتمال” (p-factor)، وهو مقياس عام يربط بين أشكال متعددة من الأمراض النفسية ويشير إلى مستوى الضعف النفسي العام لدى الشخص. وقد أثبت هذا النهج أنه أكثر فعالية ودقة.
إلى جانب الأنماط العامة، وجدت الدراسة أن بعض السلوكيات قد ترتبط بمشاكل أكثر تحديدًا. على سبيل المثال، يمكن أن يتوافق انخفاض عدد المكالمات الهاتفية أو تراجع مستوى النشاط البدني مع أعراض معينة مثل الانسحاب الاجتماعي أو وجود مرض جسدي.
وتفتح هذه النتائج الباب أمام مستقبل يمكن فيه استخدام هواتفنا كأداة للإنذار المبكر، مما يسمح بتحديد الأشخاص المعرضين للخطر قبل أن تتفاقم حالتهم. ويقول رايت إن القدرة على استخدام الاستشعار السلبي لربط شخص ما بالمساعدة “قبل أن تسوء الأمور حقًا سيكون لها فوائد هائلة”. وتشمل هذه الفوائد تحقيق نتائج علاجية أفضل للمرضى، وخفض التكاليف الباهظة للرعاية الصحية، والأهم من ذلك، تقليل الوصمة المرتبطة بطلب المساعدة النفسية. وفي ظل قصور الأدوات الحالية لرصد الصحة النفسية، تقدم هذه التقنية الجديدة أملًا كبيرًا في جعل الرعاية الصحية النفسية أكثر استباقية وفعالية.
اقرأ أيضًا:
ما أبرز المشكلات النفسية التي يعاني منها المراهقين والبالغين؟
هذه العادة في النوم قد تكون سببًا في تدمير صحتك سرًا
7 عبارات يستخدمها الآباء الجيدون للتعامل مع نوبات الغضب عند الأطفال