في عالمٍ يركض فيه الجميع خلف ساعات النوم المثالية، يُغفل كثيرون سؤالًا أكثر خطورة: هل ننام بانتظام؟
ليس السؤال عن عدد الساعات هذه المرة، بل عن توقيتها وانتظامها. هنا تحديدًا، تكمن المفارقة التي أماطت عنها اللثام دراسة دولية حديثة، كشفت أن اضطراب مواعيد النوم -قصره أو طوله- يؤدي إلى رفع خطر الإصابة بعشرات الأمراض، بعضها قاتل.
وكشفت الدراسة الضخمة، التي نُشرت في مجلة Health Data Science في يونيو الماضي، وقادها باحثون من جامعتي بكين والجيش الطبي في الصين، عن نتائج لافتة، منها أن الذهاب إلى الفراش بعد 12:30 منتصف الليل بانتظام، على سبيل المثال، يرفع احتمال الإصابة بتليف الكبد بمقدار 2.57 مرة، أما تذبذب الساعة البيولوجية اليومية -ما يُعرف بـ«عدم الاستقرار بين الأيام»- فيرتبط بخطر أعلى للإصابة بالغرغرينا بنسبة 2.61 مرة.
استندت الدراسة إلى تحليل بيانات نوم موضوعية لأكثر من 88 ألف مشارك في قاعدة بيانات UK Biobank البريطانية. وبخلاف الدراسات التقليدية التي تعتمد على استبيانات ذاتية، استخدم الفريق أجهزة تتبع النشاط (actigraphy) لرصد أنماط النوم بدقة على مدى 6.8 أعوام في المتوسط.
وبحسب الفريق، ساهمت اضطرابات النوم في أكثر من 20% من عوامل الخطر لـ92 مرضًا من أصل 172 شملها التحليل، وهو ما يجعل النوم المتقطع أو غير المنتظم أحد أبرز العوامل الصحية المُهملة.
ويقول البروفيسور شينجفنج وانج، المشرف على الدراسة، إنه «لطالما ركّزت الأبحاث على كم ننام، لكننا اليوم نكتشف أن متى وكيف ننام قد يكونان أكثر أهمية»، ويضيف: «نتائجنا تسلّط الضوء على البُعد المُهمل في فهمنا للنوم الصحي، وهو انتظامه».
يشير الباحثون إلى أن الجسم الإنساني يعمل وفق نظام دقيق يُعرف بإيقاع الساعة البيولوجية، وهو المسؤول عن تنظيم النوم والهضم ودرجة الحرارة والهرمونات. وعندما تُكسر هذه الدورات نتيجة النوم المتأخر أو المتقلب، تتعطل وظائف حيوية، وتبدأ التهابات خفية في الانتشار، وهو ما يُفسر ارتباط اضطراب النوم بأمراض مزمنة تشمل السكري، وأمراض الكبد، والقلب، وحتى بعض السرطانات.
وقد دعم الباحثون هذا الطرح بتحليلات إضافية شملت عينات من السكان الأميركيين، ما أعطى للدراسة بُعدًا عالميًا.
في سياق متصل، تناقش الدراسة إحدى أكثر الخرافات شيوعًا، أن النوم لأكثر من 9 ساعات يوميًا يسبب أمراضًا. لكن الباحثين، بعد تتبع بيانات النوم الحقيقية، وجدوا أن هذه العلاقة المزعومة لا تظهر إلا في مرضٍ واحد فقط من أصل 172. والأسوأ أن قرابة 22% ممن صُنّفوا كـ«نائمين طويلًا» لم يناموا فعليًا أكثر من 6 ساعات، بل قضوا وقتًا أطول في الفراش دون نوم فعلي.
هذا الخلط، بحسب الدراسة، يفسّر كثيرًا من النتائج المتناقضة التي طغت على أبحاث النوم السابقة. «علينا أن نُعيد تعريف النوم الجيد»، يقول البروفيسور وانج، ويضيف إن «المدة ليست كل شيء، بل انتظام التوقيت وجودة النوم هما الأساس».
تُبرز هذه النتائج الحاجة إلى مراجعة سلوكياتنا اليومية تجاه النوم، خصوصًا في ظل عالم رقمي يخلط بين النهار والليل. فمواعيد العمل المرنة، والتعرض المطول للضوء الصناعي، والاستخدام المفرط للشاشات، كلها تؤدي إلى تآكل الثبات الزمني لنومنا، دون أن نلحظ أثر ذلك إلا بعد فوات الأوان.
ويدعو الباحثون إلى أن تكون النصائح الصحية المستقبلية أكثر شمولًا، بحيث تشمل الاستقرار الزمني للنوم، لا مجرد إرشادات عن مدته. كما ينوون لاحقًا دراسة أثر التدخلات السلوكية، مثل تعديل مواعيد النوم تدريجيًا، على معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة.