logo alelm
عبدالرزاق خوجة.. خطاط العملة السعودية في ذاكرة المملكة

لم يكن عبدالرزاق خوجة مجرد خطاط عابر في تاريخ المملكة، بل كان رمزًا لفن ارتبط بالهوية الوطنية وارتسم على أوراق النقد، والأوسمة، والوثائق الرسمية، وحتى عناوين الصحف الكبرى. امتلك موهبة مبكرة صقلها بالعمل الدؤوب حتى صار أحد أبرز من حملوا راية الخط العربي، وترك أثرًا لا يزول في الذاكرة الثقافية والفنية السعودية.

البدايات والتوجه نحو الصحافة

ولد عبدالرزاق خوجة عام 1351هـ/1932م في مكة المكرمة، وبدأت علاقته بالخط أثناء دراسته المتوسطة في المدرسة الفخرية، حيث اعتاد كتابة جمل على سبورة الفصل، فلفت إعجاب أساتذته وحظي بتشجيعهم. ومع الوقت أسندت إليه المدرسة مهمة خط المجلات التي تصدرها، ليكون ذلك أول احتكاك مباشر له بعمل مكتوب متداول بين الطلاب.

وفي مطلع الستينيات الميلادية، وتحديدًا عام 1381هـ/1961م، انتقل شغفه من فضاء المدرسة إلى ساحة الصحافة، فكان أول عمل بارز له كتابة العنوان الرئيس لجريدة الندوة المكية. وسرعان ما امتد نشاطه ليشمل صحف البلاد والمدينة وعكاظ، إذ كان يتعاون مع مطابع الأصفهاني في جدة التي تكفلت بطباعة هذه الإصدارات. ومن خلال تلك التجربة رسخ مكانته كخطاط لا غنى عنه في المشهد الإعلامي آنذاك.

الوثائق الرسمية والعملات والأوسمة

لم يقتصر إبداع عبدالرزاق خوجة على الصحف، بل تجاوزها إلى ميادين رسمية وحساسة. فقد عهدت إليه وزارة الخارجية بخط جوازات السفر المخصصة لأفراد الأسرة المالكة وكبار الوزراء والدبلوماسيين والمسؤولين، كما كتب الأختام التي استُخدمت في سفارات المملكة بالخارج. وإلى جانب ذلك، قدّم دورات تدريبية في معهد الدفاع الجوي لنقل خبراته إلى جيل جديد من المتدربين.

وكانت أهم محطاته مع مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي الحالي)، حين أوكلت إليه مهمة كتابة الخطوط على جميع العملات الورقية والمعدنية الصادرة في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز، مستخدمًا خط الثلث بجمالياته الخاصة. واستمر دوره مع صدور عملات جديدة في عهدي الملك خالد والملك فهد، كما تولى كتابة النصوص على الأوسمة والأوشحة التي منحتها القيادة السعودية لعدد من الرؤساء والقادة حول العالم. وبذلك صار اسمه حاضرًا في رموز الدولة وشعاراتها التي تتداولها الأيدي والأجيال.

التكريم والرحيل

نظير إسهاماته الكبيرة في خدمة الخط العربي، كرّمه الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة، في حفل توزيع جوائز مسابقة “خط من تراثنا” بتاريخ 11 ربيع الآخر 1441هـ/8 ديسمبر 2019م، اعترافًا بمكانته ودوره في حفظ هذا الفن العريق.

وفي العاشر من رمضان عام 1446هـ الموافق 12 مارس 2025م، أسدل الستار على مسيرة امتدت 95 عامًا برحيل عبدالرزاق خوجة، الذي نعته جمعية الثقافة والفنون في جدة، تاركًا وراءه إرثًا فنيًا راسخًا سيبقى شاهدًا على بصماته في تاريخ المملكة وفن الخط العربي.

اقرأ أيضًا:
الملك عبدالعزيز بعيون أمريكية.. ماذا قالوا عنه في أول لقاء عالمي؟
قرية الكلادا.. حكاية إرث معماري وتاريخ عريق في الطائف
إرث السعودية: المهن البحرية الأصيلة

شارك هذا المنشور:

المقالة السابقة

إنفوجرافيك| قلة النوم وسيلة لتراكم سموم خطيرة في الدماغ

المقالة التالية

الاستيطان في الضفة.. خطة ممنهجة لوأد حل الدولتين