في قلب وادي السياييل جنوب محافظة الطائف، وعلى قمة جبل شاهق، تقف قرية الكلادا التراثية كشاهد صامت على تاريخ عريق وإرث معماري فريد. وتعتبر هذه القرية، التي تعد من أهم وأكبر القرى الأثرية في مركز بني سعد، نموذجًا استثنائيًا للعمارة الحجرية، حيث تترابط مبانيها بشكل متلاحم، وتتوجها حصون دفاعية تروي قصة مجتمع متكاتف عاش وازدهر في هذا الموقع الحصين لمئات السنين.
واليوم، أصبحت قرية الكلادا وجهة للزوار والمصورين والباحثين عن كنوز التراث، بفضل حفاظها على هيئتها الأصلية التي تجسد حكاية إنسان المنطقة وتكيفه مع بيئته الجبلية القاسية.
بحسب موقع “سعوديبيديا” يُقال إن اسم قرية الكلادا يعود إلى قبيلة “كلدة”، وينسب تأسيسها إلى أحد رجالهم وهو “خلدون ابن كلدة”، الذي ذاع صيته كطبيب للعرب واكتسب خبرة واسعة في معرفة الدواء. وقد بنيت القرية على جبل حمل نفس الاسم، لتصبح مركزًا حيويًا في وادي السياييل.
وما يميز قرية الكلادا هو تصميمها المعماري الذي يعكس ترابطًا اجتماعيًا قويًا. فمبانيها الحجرية ليست منفصلة، بل متصلة ومتقاربة، مما يشكل كتلة عمرانية واحدة صلبة يصعب اختراقها. ويتوج هذا الصرح المعماري حصنان دفاعيان مرتفعان متعددا الأدوار، يقعان في أعلى نقطة من الجبل، وكانا بمثابة برجي مراقبة وحماية للقرية وأنشطتها التجارية.
وتتميز هذه الحصون بلمسات فنية فريدة، حيث تم تزيينها باستخدام حجر “المرو” الأبيض، وتشكيل عناصر ثقافية على جدرانها الخارجية. وفي قلب قرية الكلادا، يوجد مسجد وساحة واسعة كانت مخصصة للاحتفالات والاجتماعات الرسمية. وتنقسم مباني القرية داخليًا إلى مساكن للعائلات، ومخازن محصنة للحبوب والغذاء، وقاعات رئيسية للاجتماعات. وللقرية مدخلان رئيسيان فقط، أحدهما يُعرف بـ “السبيل الأعلى” والآخر بـ “السبيل الأسفل”، وكلاهما يؤديان إلى شبكة الممرات الداخلية التي تربط بين منازل قرية الكلادا.
لم تكن قرية الكلادا مجرد حصن منيع، بل كانت أيضًا مركزًا اقتصاديًا نشطًا. ففي أوديتها المحيطة، التي تحميها الجبال الشاهقة، ازدهرت مزارع العنب والخوخ، وانتشرت أشجار السدر والطلح والعرعر. بالإضافة إلى الزراعة، اشتهر أهالي القرية بإنتاج العسل، حيث لا تزال قرية الكلادا تحتضن عددًا من المناحل القديمة أو ما يسمى “السمط”. وقد كان الأهالي يعتمدون على هذه المناحل في استخراج أنواع مختلفة من العسل حسب مواسم الأزهار، للمتاجرة به والاستثمار فيه.
واليوم، تقف قرية الكلادا كإرث حضاري ومعماري فريد، حيث حافظت مبانيها الحجرية على جمالها وتراثها العمراني رغم مرور مئات السنين. وقد رصدت وكالة الأنباء السعودية “واس” أهميتها كوجهة سياحية وتاريخية تجسد تاريخ المنطقة، وتجذب هواة التصوير والمكتشفين الباحثين عن القصص الكامنة بين جدرانها الحجرية.