لطالما شهدت الحضارة الإسلامية التي انطلقت من مكة حروبًا طويلة كان الهدف منها إنكار مساهماتها العلمية والاجتماعية في وضع قواعد العالم الحديث، وأخذ المعسكر الغربي على عاتقه مهمة تشويه الإسلام والمسلمين خصوصًا مع انتشار الجماعات التي تمارس الإرهاب تحت ستار الدين.
وعلى الرغم من أن المدافعين عن الإسلام كُثر، وأن الدين في حد ذاته لا يحتاج لمن يدافع عنه، إلا أن إبداء رأي مخالف لما هو شائع في بلاد الغرب من مفكر غربي عمل في السياسة الأمريكية لفترة طويلة، قد تكون شهادة تستحق الاهتمام، وسلاحًا في وجه كل من يشكك في أهمية الحضارة الإسلامية وما قدمته خلال قرون.
في كتابه بعنوان “من مكة إلى الميتاداتا.. فكر القرن الحادي والعشرين عند قدماء العرب” الصادر عن دار نهضة مصر، يؤكد مايكل هاميلتون مورغان، أن الحضارة العربية الإسلامية سبقت الحضارة الأوروبية بقرون في مجالات عديدة، وليس كما يصورها الغرب بأنها حضارة ظلام وأن ما تدعيه من نجاحات وإنجازات هو بالأساس يعود إلى الحضارة الأوروبية. وشدد مورغان على أن إسهامات العرب المسلمين في الحضارة الحديثة لا يمكن إنكارها، وذكر العديد من العلماء المسلمين في كتابه من أمثال الخوارزمي والطوسي وابن سينا وابن الهيثم وعمر الخيام، والذين وضعوا حجر البداية للإنجازات العلمية التي حققها علماء الغرب مثل نيوتن وكوربرنيك واينشتاين وغيرهم.
وذهب مورغان إلى أبعد من ذلك، إذ إنه أشار ثقافة التسامح الديني التي نشرها النبي محمد صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده ومن بعدهم القادة المسلمين، كما تطرق لفترة العصر الذهبي للإسلام في بلاد فارس وإسبانيا، ثم العصور المماثلة التي توسعت في وسط آسيا وتركيا العثمانية والهند المغولية وصولُا إلى القرن الـ18. ويؤكد مورغان أن مصطلح المعرفة جرى ذكره في القرآن أكثر من 850 مرة، وهذا يعني أن الحضارة الإسلامية لم تكن حضارة انغلاق أو انطواء، وأن الحضارة الإسلامية الممتدة منذ أكثر من 1400 عام لا يمكن اختزالها واختصارها في المفاهيم الرجعية، إذ إنه لا يمكن رصد كل حدث مهم في هذه الحضارة العريقة.
وقال مورغان إن بداية تعمقه في القراءة عن الحضارة الإسلامية كانت في أعقاب أحداث 11 سبتمبر، عندما طلبت إحدى السياسيات الأمريكيات منه كتابة خطبة، ووقتها قرر أن يضمّن جزءًا من تاريخ العالم الإسلامي المذهل والذي يتحدث عن التسامح وكيف أن المسلمين عاشوا إلى جانب اليهود والمسيحيين والهندوس وغيرهم دون أي مشكلة، وكيف أنهم وضعوا نواة الحضارة الأوروبية.
في كتابه، أشار مورغان إلى أن نظرية التطور التي وضعها تشارلز دارون ويُشار لها حتى الآن باسمه، تناولها أبرز علماء العصر العباسي وهو “الجاحظ” في كتابه “الحيوان” والذي كتبه بعيدًا عن أوروبا بعد 200 عام فقط من الإسلام. كما أن نظرية النسبية للعالم أينشتاين التي أدت لاكتشافات مثل الذرة والانشطار النووي وحركة الكواكب وغيرها، كان أساسها فرضيات للعالم العربي المسلم يوسف يعقوب بن إسحق الكندي.
ويقول مورغان في كتابه إن الأوروبيين حاولوا عمدًا تشويه ومحو الحضارة الإسلامية في أعقاب خروجهم من عصور الظلام، وهو ما خلق حالة من عدم معرفة بتاريخ وحضارة الإسلام لدى المواطن الأمريكي والأوروبي وحتى المسلم الذي ولد ونشأ في هذه المناطق. في المقابل لم تكن هناك محاولات كافية من المسلمين لنشر حقيقة دينهم وحضارتهم أو حتى نشر تعاليم الإسلام الحقيقية التي نص عليها القرآن الكريم وسنة النبي الكريم، ولو كانوا قاموا بذلك لما نشأت هذه الفجوة بين الشرق المسلم والغرب.
وأشار مورغان إلى أن أحد الأسباب الأخرى التي أدت لخسارة جزء كبير من تاريخ الحضارة الإسلامية والتفوق الإسلامي على أوروبا، حوادث الحرق وتلف المكتبات الإسلامية في العديد من بلدان المشرق، إذ حرق القشتاليون في إسبانيا أكبر مكتبة إسلامية كانت تضم نحو 3 ملايين كتاب في علوم متنوعة، هذا بخلاف المشكلات الإقليمية التي عانى منها العالم العربي والتي تمثل أكبرها في الاستعمار الأوروبي الذي ذاقت دول عربية عديدة ويلاته طول عقود والتي تمثلت في طمس هويته وثقافته الدينية، قبل أن تحصل على استقلالها.