حدد خبراء علم النفس نوعين من المهارات الأساسية لتطوير الثقة بالنفس، بما يعزز قدرتنا على التصرف بشجاعة حتى في مواجهة مواقف مخيفة، سواء كان أمامه مواجهة حقيقية مثل التعامل مع حيوان مفترس، أو تحدٍ مهني معقد في العمل. هذه الثقة تمنحه القدرة على ضبط الخوف واتخاذ قرارات جريئة بثبات ووضوح.
وبحسب ما يوضحه أستاذ هارفارد المتخصص بدراسة الشجاعة، رانجاي جولاتي، فإن كثيرون يعتقدون أن الخوف شعور غريزي لا يمكن السيطرة عليه، لكنه في الواقع يمكن التحكم فيه وتجاوزه. فعندما يمتلك الفرد شعورًا بالقدرة والسيطرة على المواقف، يصبح أكثر استعدادًا للتعامل مع التحديات والمخاطر.
وأظهرت عدة أبحاث أعدها مؤلف كتاب "كيف تكون جريئًا: العلم المذهل للشجاعة اليومية"، أن الأشخاص الشجعان لا يعتمدون على حظهم في مواجهة الصعاب، بل يبنون شعورًا راسخًا بالكفاءة الذاتية. هؤلاء الأفراد يرون أنفسهم فعالين، مستعدين جيدًا، وقادرين على مواجهة المواقف الصعبة. الأمر الذي يعني أن أي شخص يمكنه تطوير هذه الصفات من خلال التدريب والتجربة المستمرة.
تطوير المهارات المتخصصة
تكمن أولى خطوات تعزيز الثقة بالنفس، بحسب جولاتي، في صقل المهارات المرتبطة بالمجال الذي ترغب في التفوق فيه. فعلى سبيل المثال، إذا كان هدفك النجاح في وظيفة مبيعات، فإن التدريب على تقديم العروض وبناء العلاقات مع العملاء يصبح ضرورة. أما إذا كنت تسعى للعمل في المجال الطبي، فيجب تنمية مهارات تشخيص الأمراض، اتباع بروتوكولات العلاج، إلى جانب مهارات التواصل مع المرضى والتنسيق مع شركات التأمين.
ويؤكد أن الأشخاص الشجعان يكرسون وقتًا طويلًا ومجهودًا كبيرًا لإتقان مهاراتهم بدلًا من التدريب السطحي أو الروتيني. وقد يزيد حضور دورات نظرية المعرفة، لكنه لا يمنحك شعورًا حقيقيًا بالقدرة على مواجهة المواقف الفعلية. ولذلك فإن أفضل تدريب هو الذي يتيح لك ممارسة المهارات تحت ضغط، حيث تواجه تحديات حقيقية وتختبر قدرتك على الأداء.
لكن في بيئة العمل الحديثة، لا يحصل كثيرون على فرص التدريب المكثف الذي يحتاجونه لاكتساب الثقة في مهاراتهم، وقد يؤدي التغاضي عن هذه الحاجة أو الاكتفاء بتجربة سطحية إلى حرمان الفرد من فرصة تعزيز شعوره بالقدرة والسيطرة، وهو ما يؤثر مباشرة على شجاعته في مواجهة المواقف الصعبة.
تعزيز الكفاءة العامة
النوع الثاني من الاستعداد يشمل تطوير شعور عام بالكفاءة، وهو إحساس بالقدرة على التكيف وتحقيق النتائج في مختلف الظروف. ويمنح هذا الشعور الشخص مرونة أكبر وثقة أوسع تمكنه من التعامل مع مواقف غير مألوفة أو صعبة.
ويُظهر رواد الفضاء، على سبيل المثال، مستوى عالٍ من الشجاعة بسبب التدريب المكثف الذي خضعوا له. وتحدث أحد رواد ناسا، تيري فيرتس، عن تجربة تدريبه على البقاء في بيئات قاسية، والتي شملت التعرض للبرد ونقص الغذاء والضغط النفسي والجسدي. ولم يمنحه هذا التدريب مهارات محددة فحسب، بل عزز شعوره العام بالقدرة على مواجهة أي تحدٍ، إذ قال "قضاء وقت طويل في ظروف صعبة مع زملائي زاد ثقتي بنفسي أكثر من أي تجربة أخرى".
ويشدد جولاتي على أن معظمنا لا يمر بتجارب مكثفة من هذا النوع، لكن يمكننا خلق فرص مشابهة لتعزيز شعورنا بالكفاءة العامة. فتجربة المواقف التي تدفعك خارج منطقة الراحة، مثل الدراسة في بلد أجنبي بلغة جديدة، أو التطوع في مهمة عمل مختلفة، أو المشاركة في تحديات رياضية شاقة، تساعد على تنمية المرونة، الانضباط، والعزيمة.
ومن خلال مواجهة التحديات وتحقيق أهداف ملموسة، لا يكتسب الفرد فقط مهارات محددة، بل ينمو شعوره بالقدرة والثقة بالنفس، ويصبح أكثر استعدادًا للتصرف بشجاعة في جميع مجالات الحياة.
اقرأ أيضًا:














