تحولت التحذيرات من استيلاء الذكاء الاصطناعي على الوظائف من مجرد تخوّفات إلى حقيقة يعلنها كبار قادة الاقتصاد العالمي، حيث لم يعد الخطر يقتصر على الأعمال اليدوية أو المهام المتكررة، بل وصل إلى قلب الشركات، مستهدفًا وظائف “الياقات البيضاء” التي كان يُعتقد أنها في مأمن.
قال جيم فارلي، الرئيس التنفيذي لشركة “فورد”، إن “الذكاء الاصطناعي سيستبدل حرفيًا نصف الموظفين أصحاب الياقات البيضاء في الولايات المتحدة”. ولم يكن هذا رأيًا معزولاً، فعمالقة آخرون يرددون الصدى نفسه، فقد حذرت إدارة بنك “جي بي مورغان” من إمكانية تقليص موظفي العمليات بنسبة 10%، بينما اعترفت “أمازون” بأن اعتمادها المتزايد على الأنظمة الذكية سيقلل من حاجتها للموظفين في المستقبل.
جاء التحذير الأكثر خطورة من داريو أمودي، رئيس شركة “Anthropic” المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، الذي وصف الوضع بـ”الكارثي”، متوقعًا اختفاء نصف الوظائف المبتدئة في الولايات المتحدة خلال 5 سنوات فقط، وهو ما قد يدفع معدل البطالة إلى حاجز 20%، في سابقة لم تشهدها البلاد منذ عقود.
بدأت هذه التوقعات تترجم إلى أرقام واقعية في أسواق أخرى، ففي بريطانيا، كشفت أبحاث موقع “Adzuna” عن انخفاض مذهل بنسبة 32% في عدد الوظائف المتاحة للمبتدئين والخريجين منذ إطلاق “ChatGPT”. وأكد موقع “Indeed” هذا الاتجاه، مشيرًا أن الخريجين الجدد يواجهون أصعب سوق عمل منذ سنوات، مع انخفاض عدد الوظائف المخصصة لهم بنسبة 33% مقارنة بالعام الماضي.
وتتسابق الشركات لتبني هذه التقنية لخفض التكاليف، حيث أعلنت شركة “BT” للاتصالات أن الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى تسريح أعداد أكبر من الموظفين، بينما تدير أنظمة الذكاء الاصطناعي في شركة “Klarna” الآن ثلثي استفسارات خدمة العملاء.
هذا الزلزال في سوق العمل لا يترك وراءه ضحايا اقتصاديين فحسب، بل يخلف أزمة نفسية عميقة، فقد كشف مسح أجرته الجمعية الأمريكية لعلم النفس أن 38% من العمال الأمريكيين يعيشون في قلق دائم من أن يجعل الذكاء الاصطناعي وظائفهم بلا قيمة في المستقبل.
يتجاوز القلق كونه شعور عابر، بل له تأثير مدمر على الصحة النفسية، حيث أفاد 51% من هؤلاء العمال القلقين بأن وظائفهم تؤثر سلبًا على صحتهم العقلية، مقارنة بـ 29% فقط من العمال غير القلقين بشأن الذكاء الاصطناعي، مما يثبت أن الخوف من المستقبل الوظيفي أصبح بحد ذاته مرضًا ينهك الموظفين.
في خضم هذه الصورة القاتمة، يتمسك البعض بأمل أن الذكاء الاصطناعي، شأنه شأن الثورات الصناعية السابقة، سيخلق أنواعًا جديدة من الوظائف. وتعتبر تجربة شركة “IBM” مثالاً على ذلك، فبينما استبدلت مئات الموظفين في الموارد البشرية بأنظمة ذكية، قامت بتوظيف المزيد من المبرمجين ورجال المبيعات.
قد ترغب في معرفة المزيد عن تطورات الذكاء الاصطناعي: