ثقافة

في اليوم العالمي للغة الأم.. لماذا يحدث انقراض اللغات؟

يحيط بعالمنا خطر انقراض اللغات الأم، إذ تشير الإحصاءات إلى أن لغة واحدة تموت كل أسبوعين، مما يجعل التنوع اللغوي مهددًا بالانقراض بوتيرة متسارعة. ومع العولمة والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، تتوقع منظمة اليونسكو أن نصف لغات العالم ستنقرض بحلول عام 2100. اليوم، ما لا يقل عن 43% من اللغات العالمية مهددة بالاختفاء، مما دفع اليونسكو لإطلاق اليوم العالمي للغة الأم في 21 فبراير من كل عام لزيادة الوعي بأهمية التنوع اللغوي والحفاظ على الثقافات المهددة بالاندثار. في اليوم العالمي للغة الأم.. نتساءل؛ لماذا تستحق اللغات الحفظ؟ وما الأسباب التي تؤدي إلى اختفائها؟ وما الجهود المبذولة لإيقاف انقراض اللغات؟

كيف تنقرض اللغات؟

تتعدد الأسباب التي تؤدي إلى انقراض اللغات، وتشمل التغيرات الاجتماعية، والضغوط الاقتصادية، والكوارث الطبيعية، والعنف السياسي، واختفاء المجتمعات الناطقة بها.

1- التغيرات الاجتماعية والاقتصادية

في العديد من المناطق، يواجه الناطقون بلغات نادرة ضغوطًا اجتماعية واقتصادية تدفعهم إلى التخلي عن لغتهم الأصلية لصالح لغات أكثر انتشارًا تمنحهم فرصًا أفضل في التعليم والعمل. على سبيل المثال، 40% من سكان العالم لا يتلقون تعليمهم بلغتهم الأم، مما يؤدي إلى تراجع استخدامها بين الأجيال الجديدة. من اللغات المتأثرة بهذا الوضع الويلزية، النavajo، والروهينغيا، حيث يفضل بعض الآباء تعليم أطفالهم لغات رئيسية لضمان مستقبل أفضل لهم.

2- الكوارث الطبيعية والإبادة الجماعية

يمكن أن تؤدي الحروب والكوارث الطبيعية إلى اختفاء مجتمعات بأكملها، وبالتالي فقدان لغاتهم الأصلية. فمع قلة عدد الناطقين بهذه اللغات وعدم انتقالها إلى الأجيال الجديدة، تصبح اللغة عرضة للاندثار في فترة وجيزة.

لماذا يشكل انقراض اللغات خطرًا؟

عندما تموت لغة، لا نفقد الكلمات فقط، بل نفقد معها تراثًا ثقافيًا ومعرفيًا فريدًا. لكل لغة خصائصها الخاصة التي تحمل تاريخًا، ومعرفةً محلية، وتقاليد ثقافية لا يمكن استبدالها.

  • فقدان المعرفة المحلية: تحتوي بعض اللغات الأصلية على معلومات جغرافية وبيئية مهمة، مثل أسماء النباتات الطبية وأساليب الزراعة التقليدية، التي قد تختفي مع فقدان اللغة.
  • تحديات تفسير النصوص القديمة: بعض اللغات المنقرضة مثل اللاتينية ما زالت تُدرَّس، لكن غياب المتحدثين الأصليين جعل فهمها الكامل أمرًا صعبًا، مما يزيد من تعقيد دراسة النصوص القديمة.
  • تهديد للهوية الثقافية: اللغة ليست مجرد وسيلة تواصل، بل تمثل هوية المجتمعات، لذا فإن فقدانها يعني خسارة جزء من التراث الثقافي للشعوب.

جهود إنقاذ اللغات من الانقراض

رغم خطورة الوضع، هناك جهود متزايدة تبذلها الحكومات، المنظمات غير الربحية، والمجتمعات المحلية للحفاظ على اللغات المهددة.

1- توثيق اللغات وتطوير أنظمة الكتابة

تعتبر توثيق اللغات إحدى أهم وسائل حفظها. فقد قام عالم اللغة فيتالي ناومكين بابتكار نظام كتابة للغة السقطرية عام 2014، وهي لغة محكية في جزيرة سقطرى اليمنية لم تكن مكتوبة من قبل، مما ساهم في حفظها للأجيال القادمة. كما صمم شقيقان من غينيا نظام كتابة جديدًا للغة الفولفُلدي، مما مكّن المتحدثين بها من التواصل عبر الإنترنت، وزيادة نسبة المتعلمين، وإتاحة المحتوى التعليمي بلغتهم الأم.

2- دعم التعليم متعدد اللغات

تعمل بعض الحكومات والمنظمات غير الربحية مثل الصندوق العالمي للغات المهددة (Endangered Language Fund) ومعهد Living Tongues على تعزيز التعليم بلغات السكان الأصليين للحفاظ على استخدامها.

3- رقمنة اللغات المهددة

تلعب التكنولوجيا دورًا مهمًا في حفظ اللغات، حيث يتم تطوير تطبيقات وقواميس رقمية للغات النادرة، مما يساعد في توسيع نطاق استخدامها ونقلها إلى الأجيال الجديدة.

في اليوم العالمي للغة الأم.. تحذير

إن فقدان لغة يعني فقدان جزء من التنوع الثقافي الذي يثري العالم. ورغم التحديات الكبيرة التي تواجه اللغات المهددة بالانقراض، فإن الجهود المتواصلة من قبل الباحثين والمجتمعات المحلية قد تمنحها فرصة للبقاء. في النهاية، كل لغة، مهما كان عدد متحدثيها، تحمل قيمة لا تقدر بثمن، ويجب بذل كل الجهود الممكنة للحفاظ عليها للأجيال القادمة.