أعاد تصريح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب حول ضرورة مغادرة جميع الفلسطينيين من غزة، إلى الأذهان مشهدًا ساخرًا من مسلسل «ذا جولدن جيرلز The Golden Girls» الذي عُرض قبل نحو أربعة عقود، واقترح الأمر ذاته في سياقه الدرامي الكوميدي.
واقترحت إحدى شخصيات المسلسل الفائز بـ11 «جائزة إيمي»، ترحيل الفلسطينيين إلى جرينلاند، باعتبارها «مكانًا شاسعًا لا يستخدمه أحد»، لتتحول هذه المزحة التي بُثت عام 1987 اليوم إلى نقطة مقارنة مع تصريحات سياسية أثارت جدلًا واسعًا حول مستقبل الفلسطينيين، لتكشف عن مفارقة عجيبة بين الخيال الكوميدي والسياسات الدولية الراهنة.
وجاء اقتراح ترامب بعد 16 شهرًا من الحرب الإسرائيلية على غزة، التي اندلعت إثر هجوم حركة حماس في 7 أكتوبر. وبينما تسعى إسرائيل للضغط على دول أخرى لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين، بدا حديث الرئيس الأمريكي السابق وكأنه يتبنى طرحًا لطالما وُصف بالخيالي. المفارقة أن هذا السيناريو لم يكن وليد اللحظة، بل سبقته إشارات ساخرة في أعمال فنية، لم يكن يتوقع مؤلفوها أن تتحول إلى مقارنات واقعية لاحقًا.
هل كان «ذا جولدن جيرلز» سابقًا لزمانه؟
في الحلقة الأخيرة من الموسم الثاني، عبّرت الشخصية «رينيه»، التي أدّت دورها الممثلة ريتا مورينو، عن امتعاضها من تأخر زوجها في العودة إلى المنزل، قائلة: «في الثانية صباحًا، اتصلتُ ببرنامج إذاعي وقدّمتُ لهم حلًا لأزمة الشرق الأوسط»، لتتدخل شخصية أخرى وتسألها ساخرة: «أتعنين منح الفلسطينيين جرينلاند؟»، فترد رينيه بكل بساطة: «إنها مساحة كبيرة ولا يستخدمها أحد».
وجرينلاند هي أكبر جزيرة في العالم، تقع شمال المحيط الأطلسي، وتتمتع بحكم ذاتي ضمن مملكة الدنمارك، مع كثافة سكانية منخفضة.
ولم تمر هذه السخرية مرور الكرام، إذ استدعتها شخصيات سياسية لاحقًا، مثل السفير الأمريكي الأسبق لدى إسرائيل مارتن إنديك، الذي نشر عام 2019 مقطعًا للمشهد على منصة «إكس» (تويتر سابقًا)، معلقًا: «اتفاق ترامب للقرن كُشف في ذا جولدن جيرلز: جرينلاند للفلسطينيين». لكن الرد الذي لم يكن متوقعًا جاء من نجل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يائير، الذي عقّب قائلًا: «أفضل من خطتك: إسرائيل للفلسطينيين».
كيف التقى الخيال بالكوميديا مع السياسة؟
ليست هذه المرة الأولى التي تتنبأ فيها الكوميديا بمشاهد مستقبلية في السياسة الدولية، فقد شهدت الحلقة الافتتاحية الأولى من برنامج «ساترداي نايت لايف» عام 1975، محاكاة ساخرة لفكرة مبادلة إسرائيل بولاية جورجيا الأمريكية، وهو الطرح الذي بدا مستحيلًا حينها لكنه اليوم يعكس واقعًا مختلفًا من الجدل حول مصير الفلسطينيين.
لكن الاقتباس من مسلسل «ذا جولدن جيرلز» لم يكن مجرد مزحة عابرة، إذ تزامن مع محاولات ترامب السابقة لشراء جرينلاند من الدنمارك عام 2019، وهو المقترح الذي قوبل برفض قاطع من كوبنهاجن. لكن حديثه عن ضرورة «إفراغ غزة» جاء في سياق تصعيدي أكثر جدية، وسط اتهامات لإسرائيل بالسعي إلى تهجير الفلسطينيين من القطاع المحاصر.
ورغم أن ترامب لم يطرح جرينلاند كوجهة محتملة، فإن فكرة البحث عن مكان آخر لإعادة توطين الفلسطينيين عادت إلى الواجهة، مدعومة بضغوط إسرائيلية على دول غربية لاستقبال لاجئي غزة، وهو ما قوبل بالرفض حتى الآن.