غالبًا ما يرافق ظهور لعبة إلكترونية جديدة أو إصدار حديث من لعبة شهيرة، حالة من الجدل المجتمعي، بسبب محتوى بعض الألعاب الذي قد يرتبط بالعنف أو يتصادم مع المعتقدات الثقافية والدينية لعدد من المجتمعات.
وعاد هذا النقاش إلى الواجهة مؤخرًا بعد قرار الكويت بحظر الإصدار الجديد من لعبة «Call Of Duty»، الذي تضمن محتوى ذا علاقة بحرب الخليج التي نشبت في بداية التسعينيات. هذا الجدل يعكس بشكل واضح التوتر القائم بين حرية الألعاب والحاجة إلى حماية القيم المجتمعية، وهو ما يعيد طرح أسئلة جوهرية حول حدود الرقابة على الألعاب الإلكترونية.
حظر «Black Ops»
في 18 أكتوبر الماضي، أعلنت الكويت عن حظر الإصدار السادس من لعبة «Call of Duty: Black Ops»، الذي كان من المقرر أن يُطرح في الأسواق في الأسبوع التالي. وجاء القرار بعد أن تأكدت السلطات الكويتية من أن اللعبة تتضمن محتوى يتعلق بحرب الخليج، وهو ما أثار استياء واسعًا في المجتمع الكويتي.
كانت أبرز الانتقادات تتعلق بإظهار شخصيات سياسية حقيقية مثل الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في أحداث اللعبة، بالإضافة إلى تصوير الحقول النفطية الكويتية المحترقة في الفيديو الترويجي، مما عدَّه البعض «مؤلمًا» لما يثيره من ذكريات أليمة لم تنطفئ بعد. وفقًا لتقرير نشره موقع «Eurogamer» فإن الكويت عدت هذا المحتوى مسيئًا لذكرى الأحداث التي عاشها الشعب الكويتي.
وبعد قرار الحظر، أصدرت شركة «Activision» المنتجة للعبة بيانًا رسميًا في بداية نوفمبر الجاري، أعلنت فيه عن سحب اللعبة من السوق الكويتي وإلغاء كافة الطلبات المسبقة مع استرداد الأموال. ورغم ذلك، أبدت الشركة أملها في إمكانية إعادة النظر في القرار في المستقبل.
تحريم «Aviator»
في 25 أغسطس الماضي، أصدر الأزهر في مصر فتوى تحرم لعبة «Aviator» الشهيرة، التي تعتمد على الحظ والمراهنات.
وتتمثل آلية اللعبة في قيام اللاعبين بالمراهنة المالية على استمرار الطائرة في التحليق لأطول فترة ممكنة، على أن يتم مضاعفة الأموال إذا استمر الطيران، أو خسارة كامل المبلغ إذا توقفت الطائرة قبل سحب الرهان.
وعد الأزهر هذه اللعبة نوعًا من «المقامرة» التي تتنافى مع الشريعة الإسلامية، مشيرًا إلى أن مكاسبها تعد «مالًا حرامًا» نظرًا لأنها تعتمد على الحظ وتؤدي إلى إدمان اللاعبين وتدمير أموالهم في مراهنات غير مشروعة.
حظر «GTA»
في خطوة مشابهة، أعلنت طاجيكستان في بداية الشهر عن حظر سلسلة ألعاب «GTA» وكذلك لعبة «Counter Strike»، نظرًا لمحتواها العنيف والمشاهد التي تتضمن جرائم.
يُعتقد أن هذا القرار جاء في إطار المخاوف من تأثير هذه الألعاب على سلوك الشباب في طاجيكستان، حيث إن ألعاب مثل «GTA» تشتمل على محتوى مليء بالعنف وتدمير الممتلكات في بيئات افتراضية، وهو ما يثير القلق بشأن سلوكيات اللاعبين في الواقع.
الحظر على مستوى العالم العربي
هذه القرارات ليست فريدة من نوعها في العالم العربي. في العراق، على سبيل المثال، تُدرس حاليًا إمكانية حظر ألعاب مثل «ببجي موبايل» و«مريم» بعد ربطها بارتفاع معدلات الجريمة في المجتمع، خاصة بين المراهقين.
وعلى الرغم من وجود تنوع في السياسات بين الدول العربية، فإن الجدل حول الرقابة على الألعاب يظل مستمرًا، إذ تسعى كل دولة إلى موازنة نمو قطاع الألعاب الإلكترونية مع الحفاظ على القيم الثقافية والدينية.
تأثير الحظر على سوق الألعاب الإلكترونية
تشهد صناعة الألعاب الإلكترونية في العالم العربي نموًا ملحوظًا، حيث يُتوقع أن يصل عدد اللاعبين إلى 88 مليون شخص بحلول عام 2026. ورغم هذا النمو المتسارع، فإن حرية الوصول إلى هذه الألعاب ليست دائمًا مضمونة في كل البلدان.
ففي الإمارات، على سبيل المثال، شهدت الألعاب الإلكترونية تطورًا ملحوظًا، وأصبحت الدولة واحدة من أبرز الدول الرائدة في مجال «الويب 3» للألعاب. لكن في دول أخرى، تواجه الحكومات تحديات كبيرة في تحقيق توازن بين النمو الاقتصادي الذي تحققه صناعة الألعاب والحفاظ على القيم المجتمعية والدينية.
ورغم أن الحظر يهدف إلى حماية المجتمع، فإن الواقع يكشف عن أن أسواق الألعاب لا تتوقف عن النمو، حيث تلجأ العديد من الأفراد إلى شراء النسخ المقرصنة من الألعاب المحظورة. مما يبرز التساؤل حول فعالية هذه الإجراءات في الحد من استهلاك هذه الألعاب. وبالرغم من محاولات الرقابة، يبقى الجدل قائمًا حول كيف يمكن تحقيق التوازن بين حرية اللعب وضرورة الحفاظ على القيم المجتمعية.
الألعاب لا تحرض على العنف
الجدل حول تأثير الألعاب الإلكترونية على الشباب، وخاصة تلك التي تحتوي على محتوى عنيف، مستمر منذ سنوات، وتعد هذه القضية محورية في النقاشات حول الحظر والرقابة في الدول العربية والعالمية، فثمة دراسات عديدة أظهرت أن التأثيرات طويلة المدى للألعاب العنيفة على السلوك العدواني للشباب قد تكون ضئيلة للغاية.
على سبيل المثال، دراسة شاملة تم نشرها في مجلة «Royal Society Open Science» بينت أنه لا يوجد دليل قوي على أن الألعاب العنيفة تزيد العدوانية لدى اللاعبين بمرور الوقت. حتى بعد تحليل 28 دراسة شملت أكثر من 21,000 مشارك، تبين أن العلاقة بين الألعاب العنيفة والعدوانية كانت صغيرة جدًا لدرجة أنه من غير المنطقي أن تكون لها تأثيرات عملية كبيرة.
من جهة أخرى، تشير بعض الدراسات إلى أن الألعاب الإلكترونية، بما في ذلك تلك التي تحتوي على مشاهد عنيفة، قد تكون لها فوائد إيجابية إذا تم استخدامها بشكل معتدل. فقد أكدت دراسة نشرها موقع «Bright Path» أن الألعاب قد تعزز التفكير الاستراتيجي، التنسيق بين اليد والعين، ومهارات حل المشكلات، وفي حين أن هناك بعض المخاوف بشأن تأثيرات العنف، لا تبدو هذه الدراسات متوافقة مع المخاوف المبالغ فيها.
ربما يعكس الجدل الدائر حول حظر الألعاب الإلكترونية في العالم العربي التوتر بين النمو الرقمي وضرورة الحفاظ على الهوية الثقافية والدينية. وعلى الرغم من أن الحظر قد يبدو كحل سريع، فإن تأثيراته على السوق وسلوكيات الشباب قد تكون أكبر مما هو متوقع.