علوم

لماذا يقول العلماء إننا بحاجة إلى إرسال ساعات إلى القمر قريبًا؟

النظام الجديد سيأخذ في الاعتبار أن الثواني تمر بشكل أسرع على القمر، مما يتيح للوكالة وشركائها التكيف مع هذه الحقائق الزمنية الجديدة

يعتبر ضبط الوقت من أكبر الألغاز في الكون، حيث تمر الثواني بشكل أسرع قليلاً فوق قمم الجبال مقارنة بوادي الأرض، وفي الحياة اليومية لا تثير هذه الفروق البسيطة قلقًا كبيرًا، ولكن مع تجدد سباق الفضاء بين الولايات المتحدة والصين لإنشاء مستوطنات دائمة على القمر، عادت مسألة الزمن إلى الواجهة من جديد.

على سطح القمر، يكون اليوم الواحد أقصر بنحو 56 ميكروثانية عن يوم الأرض، وهو فرق صغير قد يتسبب في تناقضات كبيرة على المدى الطويل، وتكافح وكالة ناسا وشركاؤها الدوليون للتعامل مع هذه المشكلة الآن.

“مقياس زمني” جديد

قالت شيريل جراملينج، قائدة فريق القمر والملاحة والتوقيت والمعايير في مركز جودارد لرحلات الفضاء التابع لناسا بماريلاند، إن العلماء لا يبحثون فقط عن إنشاء “منطقة زمنية” جديدة على القمر، كما قد توحي بعض العناوين، بل يسعون إلى تطوير “مقياس زمني” جديد تمامًا.

 هذا النظام الجديد سيأخذ في الاعتبار أن الثواني تمر بشكل أسرع على القمر، مما يتيح للوكالة وشركائها التكيف مع هذه الحقائق الزمنية الجديدة.

وأكدت شيريل أن تطوير إطار زمني جديد سيكون ضروريًا للبشر الذين سيزورون القمر حيث سيغادرون مركباتهم لاستكشاف السطح وإجراء الأبحاث العلمية، لذلك يجب أن يكون الوقت مرتبطًا بالقمر.

كانت الساعات الشمسية البسيطة والتكوينات الحجرية التي تتبع الظلال أثناء مرور الشمس فوقنا تشير إلى تقدم اليوم تمامًا

الزمن على الأرض

كانت الساعات الشمسية البسيطة والتكوينات الحجرية التي تتبع الظلال أثناء مرور الشمس فوقنا تشير إلى تقدم اليوم تمامًا، كما سجلت مراحل القمر المتغيرة مرور الشهر على الأرض، واستعان البشر بهذه الأدوات الطبيعية لضبط الوقت لآلاف السنين.

ولكن منذ أن أصبحت الساعات الميكانيكية شائعة في أوائل القرن الرابع عشر، ازداد اهتمام صانعي الساعات بالدقة، وفي أوائل القرن العشرين، زادت أهمية قياس الثواني بدقة بفضل نظريات ألبرت أينشتاين، الفيزيائي الألماني المولد، الذي هز المجتمع العلمي بنظرياته عن النسبية الخاصة والعامة.

وقال الدكتور بروس بيتس، كبير العلماء في جمعية الكواكب، وهي مجموعة غير ربحية تهتم بالفضاء،: “لقد توصل أينشتاين إلى النسبية العامة، وتنتج عنها أشياء كثيرة غريبة، أحدها هو أن الجاذبية تبطئ الزمن”.

وأوضح بيتس أننا إذا تخيلنا نظامنا الشمسي عبارة عن قطعة قماش معلقة في الهواء، هذا النسيج هو المكان والزمان نفسه، وبموجب نظريات أينشتاين، هما مرتبطان ارتباطًا وثيقًا، وكل جرم سماوي في النظام الشمسي يشبه كرة ثقيلة تجلس فوق القماش، وكلما كانت الكرة أثقل، كانت الفجوة التي تخلقها أعمق، مما يؤدي إلى تشويه المكان والزمان.

تعقيدات النسبية في الفضاء

إذا كان الزمن يتحرك على قمم الجبال بشكل مختلف عن شواطئ المحيط، فإن الأمور تصبح أكثر تعقيدًا كلما ابتعدنا عن الأرض، حيث يمر الوقت أيضًا بشكل أبطأ كلما تحرك الشخص أو المركبة الفضائية بشكل أسرع، وفقًا لنظرية النسبية الخاصة لأينشتاين.

أوضح الدكتور بيجوناث باتلا، عالم الفيزياء النظرية في المعهد الوطني الأمريكي للمعايير والتكنولوجيا، أن رواد الفضاء في محطة الفضاء الدولية يعيشون في بيئة فريدة، فالمحطة الفضائية تدور على ارتفاع حوالي 200 ميل (322 كيلومترًا) فوق سطح الأرض وتتحرك بسرعات عالية، تدور حول الكوكب 16 مرة يوميًا، مما يجعل تأثيرات النسبية تلغي بعضها البعض إلى حد ما، لذا، يمكن لرواد الفضاء استخدام توقيت الأرض للبقاء في الموعد المحدد.

المركبات الفضائية مجهزة بساعات خاصة بها تسمى المذبذبات، والتي تحافظ على وقتها الخاص

بالنسبة للمهام الأخرى في الفضاء، فإن الأمر ليس بهذه البساطة، ولهذا المركبات الفضائية مجهزة بساعات خاصة بها تسمى المذبذبات، والتي تحافظ على وقتها الخاص، مثل مهام المركبة نيو هورايزنز في حزام كويبر، حيث تعتمد على المحطات الأرضية وتوقيت الأرض العالمي المنسق (UTC).

بينما المركبات الفضائية التي تستكشف أعماق النظام الشمسي تحتاج إلى معرفة توقيت دقيق يعتمد على مقياسها الزمني الخاص، خاصة عند الاقتراب من كوكب لأغراض ملاحية.

وعلى مدى 50 عامًا، تمكن العلماء من مراقبة الساعات الذرية على متن الأقمار الصناعية لنظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، التي تدور حول الأرض على بعد حوالي 12,550 ميلًا (20,200 كيلومتر). دراسة تلك الساعات وفرت نقطة انطلاق رائعة لإنشاء مقياس زمني جديد للقمر.

وأشار باتلا إلى أن العلماء يمكنهم بسهولة مقارنة ساعات GPS بالساعات الأرضية، وقد وجدوا طريقة لإبطاء ساعات GPS بلطف لتتناسب مع الساعات الأرضية. أما بالنسبة للقمر، فإن العلماء يهدفون إلى قياس الوقت القمري بدقة كما هو، مع التأكد من إمكانية ربطه بتوقيت الأرض.

الساعة القمرية

أكدت شيريل جراملينج، أن العديد من الأسئلة حول الساعات القمرية لا تزال معلقة مثل من سيدفع ثمن الساعات القمرية بالضبط، وأي نوع من الساعات سيتم إرسالها، وأين سيتم وضعها.

وأوضحت جراملينج أن الساعات الذرية مثالية للاستقرار على المدى الطويل، بينما تتميز المذبذبات البلورية بالاستقرار على المدى القصير، لافتة إلى أنه يمكن وضع أنواع مختلفة من الساعات داخل الأقمار الصناعية حول القمر أو في المواقع التي سيزورها رواد الفضاء مستقبلاً.

بالنسبة للتكاليف، قالت جراملينج إن الساعة الذرية القابلة للسفر إلى الفضاء قد تكلف بضعة ملايين من الدولارات، بينما تكون المذبذبات البلورية أرخص بكثير.

يمكن لشبكة من الساعات على القمر أن تحدد مقياس التوقيت القمري الجديد، كما تفعل الساعات الذرية للتوقيت العالمي المنسق (UTC) على الأرض.

وأكدت جراملينج أن المقياس الزمني الجديد سيساهم في إنشاء شبكة قمرية تُعرف باسم LunaNet، والتي تعتبر إطارًا من المعايير التي سيتبعها المساهمون مثل وكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية.

وأشارت إلى أن المحادثات مع الشركاء الأمريكيين كانت إيجابية للغاية حتى الآن. ولكن من غير الواضح ما إذا كانت ناسا وشركاؤها سيحصلون على موافقة الدول التي ليست من حلفاء الولايات المتحدة، مثل الصين. ولفتت جراملينج إلى أن هذه المحادثات ستتم من خلال هيئات وضع المعايير الدولية، مثل الاتحاد الفلكي الدولي.

المصدر:

cnn