في الوقت الذي يواجه فيه الملايين من أبناء «الجيل Z» مخاوف متزايدة بشأن مستقبلهم المهني، وتتصاعد التحذيرات من تداعيات الأتمتة والذكاء الاصطناعي على الوظائف المبتدئة، قدم عدد من الرؤساء التنفيذيين لأكبر الشركات العالمية رؤية مغايرة للواقع، مؤكدين أن الفرص لا تزال متاحة، لكنها تتطلب تغييرًا جذريًا في «العقلية».
وبينما حذر بعض القادة، مثل داريو أمودي (أنثروبيك) وجيم فارلي (فورد)، من التهديدات الوجودية التي تفرضها التكنولوجيا على سوق العمل، أجمع رؤساء شركات بحجم «أمازون» و«والمارت» و«ماكدونالدز» و«إنفيديا» على أن عام 2026 وما بعده يحمل فرصًا واعدة لمن يمتلكون المرونة والفضول والجرأة.
وهم «المسار المثالي» والضغوط الذاتية
يرى آندي جاسي، الرئيس التنفيذي لشركة «أمازون»، أن جزءًا كبيرًا من القلق الذي يعيشه الشباب اليوم هو «مفروض ذاتيًا وغير ضروري». وفي بودكاست «كيف يقود القادة»، أشار جاسي إلى أن محاولة رسم مسار مهني كامل في سن مبكرة تشكل عبئًا ثقيلًا.
وقال جاسي: «لديّ ابن يبلغ من العمر 21 عامًا وابنة تبلغ 24 عامًا.. أرى أنهم جميعًا يشعرون بضرورة معرفة ما يريدون فعله في حياتهم في هذا العمر، وأنا حقًا لا أعتقد أن هذا صحيح».
واستشهد جاسي بمسيرته الشخصية كدليل على أهمية التجريب، إذ عمل في التعليق الرياضي، وإدارة المنتجات، وحتى بيع معدات الجولف وتدريب كرة القدم، قبل أن يقود إحدى أقوى شركات العالم. وأضاف: «لقد جربت الكثير من الأشياء.. من المهم بالقدر نفسه معرفة ما لا تريد فعله كما هو الحال مع ما تريد فعله».
تتفق جولي سويت، الرئيسة التنفيذية لشركة «أكسنتشر»، مع هذا الطرح، مؤكدة أن تقبل «عدم اليقين» كان سببًا رئيسًا في وصولها لمنصبها، رغم أنها لم تكن تتناسب مع القالب التقليدي لقادة الشركة السابقين.
وأوضحت سويت لمجلة «فورتشن» أن القيادة لا تعني امتلاك كل الإجابات، مشددة على أن الفضول ميزة قيادية: «أعتقد أن فكرة أن تملك معرفة عميقة أمر بالغ الأهمية.. الشفافية تبني الثقة، وكلما زادت القيمة التي يمكنك المساهمة بها، زاد احتمال حصولك على الوظيفة الأفضل».
استراتيجية «الركض» نحو المشكلات
وفي مواجهة الاضطرابات المتوقعة لعام 2026، دعت ليزا سو، الرئيسة التنفيذية لشركة «AMD»، الخريجين الجدد إلى تبني نهج هجومي بدلًا من الدفاعي. وقالت في خطابها بمعهد رينسيلار للفنون التطبيقية: «اركضوا نحو أصعب المشكلات - لا تمشوا، بل اركضوا - وهناك ستجدون أكبر الفرص، حيث تتعلمون أكثر وتميزون أنفسكم».
واعتبرت سو أن اختيار التحديات الأصعب هو «أسرع طريق للنمو». هذا النهج طبقه عمليًا دوج ماكميلون، الرئيس التنفيذي لشركة «والمارت»، الذي بدأ حياته بتفريغ الشاحنات مقابل 6.50 دولار في الساعة.
وكشف ماكميلون في حديث لـ«Stratechery» عن سر صعوده، قائلًا: «أحد الأسباب التي جعلتني أحصل على الفرص هو أنني كنت أرفع يدي (يقصد أنه يمد يد العون) عندما يكون مديري خارج المدينة». هذه المبادرة جعلته تحت أنظار الإدارة العليا، وأثبتت جاهزيته للترقي كخيار «منخفض المخاطر».
ملكية المسار والمرونة
من جانبه، وجه كريس كيمبكزينسكي، الرئيس التنفيذي لشركة «ماكدونالدز»، رسالة حازمة للشباب الذين يبحثون عن وظائف أو ترقيات، قائلًا عبر «إنستجرام» أن المسؤولية تقع على عاتقهم وحدهم.
وقال كيمبكزينسكي: «تذكر، لا أحد يهتم بمسيرتك المهنية بقدر ما تهتم أنت.. عليك امتلاكها». ونصح الشباب بأن يكونوا ممن يقولون «نعم» للفرص، مضيفًا: «أن تكون شخصًا يقول نعم أفضل بكثير من أن تكون شخصًا يقول لا».
وفي سياق متصل، شددت جين فريزر، الرئيسة التنفيذية لـ«سيتي»، على أهمية المرونة، مصارحة أبناءها بأن وظائف اليوم قد تختفي قريبًا. وأشارت إلى أنه في عالم يقوده الذكاء الاصطناعي: «لن تحتاج إلى معرفة الإجابة. ستحتاج إلى الحكم السليم والحدس البشري».
العودة للحرف اليدوية
وفي زاوية غير متوقعة، قدم جنسن هوانج، الرئيس التنفيذي لشركة «إنفيديا» التي تقود ثورة الذكاء الاصطناعي، نصيحة قد تبدو متناقضة مع طبيعة عمله التقني. فبدلًا من التركيز فقط على الشهادات التقنية، دعا هوانج الجيل Z للاهتمام بـ «الحرف الماهرة».
وصرح هوانج لـ «القناة الرابعة الإخبارية» البريطانية بأن العالم سيحتاج إلى مئات الآلاف من الكهربائيين والسباكين والنجارين لبناء مصانع التكنولوجيا، قائلًا إن هذه المهن مقاومة للذكاء الاصطناعي. وتوقع هوانج أن يشهد قطاع الحرف الماهرة «ازدهارًا هائلًا يتضاعف كل عام»، مما يجعلها خيارًا ذكيًا للمستقبل.
وتُظهر هذه الرؤى المتعددة أن النجاة في سوق العمل المستقبلي لا تعتمد على وصفة سحرية واحدة، بل على مزيج من المبادرة الذاتية، والقدرة على التكيف، والجرأة في اقتحام المجالات الصعبة، سواء كانت تقنية متقدمة أو حرفية ضرورية.
