توصلت دراسة دولية جديدة، أجراها باحثون من جامعة ألتو الفنلندية بالتعاون مع فرق بحثية في ألمانيا وكندا، إلى أن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي قد يُسهم في إلغاء أحد أشهر المبادئ النفسية المعروفة باسم تأثير دانينغ-كروجر، وهو الانحياز الذي يجعل الأشخاص الأقل مهارة يبالغون في تقدير قدراتهم، فيما يقلل أصحاب الكفاءة العالية من قيمة مهاراتهم.
الذكاء الاصطناعي يجعلنا أكثر ثقة
وبحسب الباحثين، فإن الذكاء الاصطناعي يعمل على تقارب مستويات الأداء بين الجميع فيما يتعلق بهذا التأثير، ما يمنح المستخدمين شعورًا عامًا بـ"وهم الكفاءة". ويشير المختصون إلى أن هذا الانحياز البشري يُرصد عادةً من خلال اختبارات معرفية لقياس الانتباه واتخاذ القرار والحكم واللغة، حيث يخطئ الأفراد خصوصًا الأقل خبرة في تقييم أدائهم الفعلي.
ووفقًا لموقع " livescience" تكشف النتائج الجديدة أن إدخال أدوات الذكاء الاصطناعي في هذه العمليات يُقلّص الفجوة التقليدية بين التقدير الذاتي والمهارة الحقيقية، بل يكاد يعكس النمط المعروف، في تحول قد يؤثر على كيفية فهمنا للثقة بالنفس وتقدير القدرات في عصر التقنيات الذكية.
وجد باحثون أن استخدام روبوتات الدردشة يزيد الثقة المفرطة لدى الجميع في جودة الإجابات، مع ارتفاع ثقة المستخدمين الأكثر خبرة. وقد نُشرت النتائج في مجلة الحواسيب في السلوك البشري في فبراير 2026.
مع تزايد انتشار نماذج اللغات الكبيرة، توقع الباحثون أن يصبح المشاركون أكثر مهارة في استخدام الذكاء الاصطناعي وتقييم أدائهم. لكن روبن ويلش، عالم الحاسوب بجامعة آلتو، أوضح أن النتائج أظهرت عجزًا كبيرًا لدى جميع المشاركين في تقييم أدائهم بدقة عند استخدام الذكاء الاصطناعي.
شملت الدراسة 500 مشارك مكلفين بأداء مهام استدلال منطقي، وتم السماح لنصفهم باستخدام روبوت الدردشة الشهير ChatGPT. وخضعت المجموعتان لاحقًا لاختبار يقيس معرفتهم بالذكاء الاصطناعي وجودة أدائهم، مع وعد الباحثين بتقديم مكافآت إضافية مقابل تقييم دقيق لقدراتهم.
تعود هذه النتائج إلى عدة عوامل، أبرزها أن مستخدمي الذكاء الاصطناعي غالبًا ما يرضون بالإجابة بعد سؤال أو تلميح واحد فقط، دون إجراء مزيد من التدقيق أو التأكيد. ويصف روبن ويلش هذه الظاهرة بـ "التفريغ المعرفي"، أي التعامل مع الأسئلة بطريقة سطحية وتقليل التفكير المستقل.
وبسبب هذا انخفاض الانخراط في التفكير الذاتي، المعروف باسم "المراقبة المعرفية"، يتجاوز المستخدمون حلقات التغذية الراجعة المعتادة للتفكير النقدي، ما يقلل من قدرتهم على تقييم أدائهم بدقة.
توصل الباحثون إلى أن جميع المستخدمين يميلون إلى المبالغة في تقدير قدراتهم عند استخدام الذكاء الاصطناعي، بغض النظر عن مستويات ذكائهم، فيما تقلصت الفجوة المعتادة بين ذوي المهارات العالية والمنخفضة. وأرجع الباحثون ذلك إلى أن أدوات الذكاء الاصطناعي تساعد على رفع مستوى أداء الجميع إلى حد معين.
ورغم أن الباحثين لم يركزوا على هذا الجانب مباشرة، تأتي النتيجة في وقت يتساءل فيه العلماء عن مدى المبالغة في تقدير الذات. وحذّر فريق جامعة ألتو من تداعيات محتملة متعددة مع توسع استخدام الذكاء الاصطناعي في المستقبل.
تأثير الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي
أوضح العلماء أن الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي قد يؤثر على دقة التفكير فوق المعرفي. فمع قبول النتائج دون تدقيق، تظهر مفاضلة بين تحسّن أداء المستخدم وتراجع قدرته على تقدير كفاءته الفعلية في المهام. وحذّر الباحثون من أنه بدون مراجعة النتائج أو تدقيق الأخطاء والتفكير المتعمق، قد تقل موثوقية المعلومات التي نحصل عليها.
وأشار الباحثون إلى أن تسطيح تأثير دانينغ-كروجر يعني استمرار الجميع في المبالغة في تقدير قدراتهم أثناء استخدام الذكاء الاصطناعي، مع زيادة هذا الميل لدى الأكثر خبرة بالأدوات. وأضافوا أن هذا الوضع قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات اتخاذ القرارات الخاطئة وتآكل المهارات الفردية.
اقترحت الدراسة إحدى الطرق للحد من هذا التراجع، وهي تشجيع الذكاء الاصطناعي المستخدمين على المزيد من التساؤل والتأمل. ويشمل ذلك إعادة توجيه الاستجابات لطرح أسئلة مثل: "ما مدى ثقتك في هذه الإجابة؟" أو "ما الذي ربما فاتك؟"، أو تعزيز التفاعل من خلال استخدام مؤشرات مثل درجات الثقة.
يعزز البحث الجديد الاعتقاد المتزايد، الذي جادلت به الجمعية الملكية مؤخرًا، بأن تدريب الذكاء الاصطناعي يجب أن يشمل التفكير النقدي وليس مجرد القدرات التقنية. وأوضح العلماء أن الدراسة تقدم توصيات لتصميم أنظمة ذكاء اصطناعي تفاعلية تشجع المراقبة المعرفية وتمكّن المستخدمين من تقييم أدائهم بشكل نقدي.
اقرأ أيضًا:
ميتا تدعم مجتمع البودكاست بميزات مبتكرة على ثريدز
