يوليو ٩, ٢٠٢٥
تابعنا
نبض
logo alelm
أسلحة الليزر.. تقنيات حديثة تشكّل مستقبل الحروب

أثار اتهام وزارة الخارجية الألمانية للجيش الصيني باستهداف طائرة ألمانية تشارك في مهمة للاتحاد الأوروبي بأشعة الليزر، تساؤلات متجددة حول الانتشار المتزايد لـ أسلحة الليزر في الساحات العسكرية الدولية. هذه الحادثة، التي وصفتها برلين بأنها “غير مقبولة على الإطلاق” واستدعت على إثرها السفير الصيني، تسلط الضوء على حقيقة أن أسلحة الليزر لم تعد مجرد مفهوم من الخيال العلمي، بل أصبحت واقعًا عملياتيًا بقدرات هائلة وتحديات معقدة.

ففي وقت تتجه فيه جيوش العالم لتطوير ونشر هذه التقنية بسرعة، مدفوعة بظهور تهديدات جديدة مثل أسراب الطائرات المسيرة، يصبح من الضروري فهم طبيعة عمل أسلحة الليزر، وحدودها، ومستقبلها الذي يتأرجح بين الاستخدامات العسكرية الدفاعية والهجومية، وبين نظريات المؤامرة التي تحيط بها.

متى ظهرت أسلحة الليزر لأول مرة وكيف تعمل؟

ظهرت أسلحة الليزر للمرة الأول في الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وروسيا، وكان بإمكانها تدمير الأهداف العسكرية دون خسائر بشرية، وحاليًا يتم التوسع في استخدام تلك الأسلحة ضمن سباق التسلح الفضائي. وحاليًا تمتلك هذا السلاح عدة دول من بينها الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والصين والكيان المحتل.

منذ الكشف عن أول جهاز ليزر في عام 1960، شهدت هذه التقنية تطورات هائلة، حيث نجح المهندسون في تطوير أنواع متعددة قادرة على إنتاج أشعة ضوئية بأطوال موجية مختلفة، تمتد من الأشعة فوق البنفسجية إلى تحت الحمراء. وفي التطبيقات العسكرية، برزت “ليزرات الحالة الصلبة” عالية الطاقة كخيار أساسي، وهي أنظمة تعتمد على بلورات متخصصة كـ “وسيط كسب” لتحويل الكهرباء إلى سيل من الفوتونات المركزة. ومن أهم خصائصها أن شعاعها يكون غير مرئي للعين المجردة، حيث يتم توليد الفوتونات في الجزء تحت الأحمر من الطيف الكهرومغناطيسي، مما يمنحها ميزة تكتيكية هامة.

لماذا تتجه الجيوش نحو أسلحة الليزر؟

يكمن الدافع الرئيسي وراء السباق العالمي لتطوير أسلحة الليزر في الحاجة إلى إيجاد بديل فعال ومنخفض التكلفة للدفاعات الصاروخية التقليدية. فمع تزايد خطر أسراب الطائرات بدون طيار (الدرونز) الصغيرة وغير المكلفة، التي يمكنها إرهاق أنظمة الدفاع الجوي باهظة الثمن، تقدم أسلحة الليزر ميزة استراتيجية حاسمة.وتتمثل أهم هذه المزايا في أنها توفر “مخزنًا لا نهائيًا من الذخيرة”. فعلى عكس الأسلحة التقليدية التي تحتوي على كمية محدودة من الطلقات أو الصواريخ، يمكن لسلاح الليزر الاستمرار في إطلاق النار طالما كان متصلاً بمصدر للطاقة الكهربائية، مما يجعله مثاليًا للتعامل مع هجمات متتالية ومكثفة.

وانتقلت أسلحة الليزر بالفعل من مرحلة الاختبار إلى النشر الميداني، خاصة في الجيش الأمريكي. حيث يقوم بنشر ليزر عالي الطاقة بقوة 50 كيلوواط، مثبت على شاحنات من طراز “سترايكر”، بهدف إسقاط الطائرات المسيرة والمروحيات وقذائف الهاون. وقد تم نشر أربعة من هذه الأنظمة في الشرق الأوسط لاختبارها في ساحة المعركة في فبراير 2024.

من جانبها، نشرت البحرية الأمريكية ليزرًا بقوة 60 كيلوواط على متن المدمرة “يو إس إس بريبل”، للدفاع ضد التهديدات البحرية مثل القوارب الصغيرة سريعة الحركة، بالإضافة إلى الصواريخ والدرونز. أما القوات الجوية الأمريكية، فتعمل على تطوير أسلحة ليزر أصغر حجمًا لتثبيتها على الطائرات المقاتلة، وذلك بعد أن اختبرت بنجاح ليزرًا بقوة ميغاواط على طائرة بوينغ 747 معدلة في عام 2010. كما تشير التقارير إلى أن روسيا تعمل على تطوير ليزر أرضي يهدف إلى “تعمية” أقمار الخصوم الصناعية في الفضاء.

القيود التقنية والتشغيلية لـ أسلحة الليزر

على الرغم من قدراتها الواعدة، لا تزال أسلحة الليزر تواجه تحديات تقنية وتشغيلية كبيرة تحد من استخدامها. التحدي الأكبر هو متطلبات الطاقة الهائلة؛ فلحرق المواد أو تدمير الأهداف عن بعد، يتطلب الأمر طاقة تتراوح بين عشرات ومئات الكيلوواط. فأحدث سلاح ليزر قيد التطوير يستهلك 300 كيلوواط، وهي طاقة كافية لتشغيل 30 منزلاً.

هذه الطاقة الهائلة تنتج كمية كبيرة من الحرارة المهدرة التي يجب إدارتها عبر أنظمة تبريد ضخمة، مما يحد من أنواع المنصات التي يمكنها حمل هذه الأسلحة. فالشاحنات والطائرات المقاتلة لا يمكنها حمل سوى أنظمة ليزر منخفضة الطاقة نسبيًا، مناسبة لإسقاط الدرونز، بينما يمكن للسفن والطائرات الكبيرة استيعاب أنظمة أقوى. كما أن فكرة “المخزن اللانهائي” مقيدة بسعة مصدر الطاقة الذي تحمله المنصة المتحركة. بالإضافة إلى ذلك، تنخفض فعالية أسلحة الليزر بشكل كبير في الظروف الجوية السيئة مثل المطر والضباب، كما أنها تحتاج إلى تثبيت شعاعها على الهدف لعدة ثوانٍ لإحداث الضرر، وهو ما يمثل تحديًا ضد الأهداف سريعة الحركة.

مستقبل أسلحة الليزر 

من المرجح أن يستمر تطور أسلحة الليزر مع زيادة مستويات الطاقة، مما سيوسع من نطاق الأهداف التي يمكنها التعامل معها. كما أن التهديدات الناشئة مثل الدرونز المسلحة تزيد من احتمالية استخدامها في تطبيقات غير عسكرية، مثل الدفاع عن الأماكن العامة ضد الهجمات الإرهابية.

وفي المقابل، ظهرت نظريات مؤامرة تزعم أن هذه الأسلحة تستخدم لإشعال حرائق الغابات، وهو أمر مستبعد علميًا. فإشعال حريق من السماء يتطلب طائرة ضخمة ومرئية بوضوح، كما أن أشعة الليزر عالية الطاقة غير مرئية، على عكس ما يظهر في بعض الصور المتداولة. وفي النها “ية، تظل أسلحة الليزر تقنية عسكرية حقيقية ذات إمكانيات وقيود واضحة.

شارك هذا المنشور:

السابقة المقالة

بريطانيا تسحب أكثر من 11 ألف عبوة من قطرة عين شائعة

المقالة التالية

“الجنائية الدولية” تصدر أوامر اعتقال بحق قادة طالبان