في ربيع 2024، نشر مستخدم في موقع «ريديت» تدوينة تحكي كيف عالج ذكاء اصطناعيًا ألمًا في فكه دام خمس سنوات، خلال دقيقة واحدة فقط.
كان المستخدم يعاني من «طقطقة» مستمرة في الفك، عجز الأطباء عن تشخيصها رغم الفحوصات والتقارير الطبية المتكررة، وبدافع اليأس، قرر إدخال أعراضه إلى «تشات جي بي تي»، الذي أجاب: «القرص الفكي متزحزح بشكل طفيف، لكنه قابل للإعادة»، وقدم تمرينًا بسيطًا لاستعادة وضعه الطبيعي، فجرب المستخدم التمرين دقيقة واحدة، فاختفى الصوت الذي لازمه منذ خمس سنوات. «غير معقول»، قال. «الحل كان لدى برنامج، لا طبيب».
تحوّلت هذه القصة إلى منشور رائج، أعاد مشاركته مؤسس «لينكد إن» ريد هوفمان، قائلًا إن هذه الحادثة تعبّر عن «الوكالة الخارقة (Superagency)» التي تمنحها أدوات الذكاء الاصطناعي للناس. لكنّ الأهم أنها لم تكن حالة فردية.
وفقًا لسام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة «OpenAI»، فإن كثيرًا من مستخدمي الجيل «Z» (المولودين بين 1997 و2012) والجيل «Y» (المعروفين بالميلينيالز) «يتعاملون مع روبوتات المحادثة كما لو كانت مستشارين للحياة». البعض يسألها عن مساره المهني، أو خيارات الجامعة، أو حتى مشاكله الشخصية.
وفي استطلاع أجرته «Vox Media»، أقرّ 61٪ من الجيل Z و53٪ من الميلينيالز بأنهم يفضّلون استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي مثل «تشات جي بي تي» عوضا عن محركات البحث التقليدية. لم يعد البحث عن المعلومة يتم عبر كلمات مفتاحية وروابط زرقاء، بل من خلال محادثة ديناميكية مع مساعد ذكي يقدّم إجابات فورية وسياقية.
أحد المستخدمين علّق ساخرًا: «الأطباء سيكرهون تشات جي بي تي… إنه أكثر فائدة من WebMD بألف مرة».
بعكس الطبيب أو المستشار البشري، يتميّز الذكاء الاصطناعي بـذاكرة دائمة وسرعة استجابة هائلة. يستطيع تذكّر كل ما قلته له، وتقديم نصائح مخصصة بناءً على تاريخك السابق.
بالنسبة لشاب جامعي، قد يكون «تشات جي بي تي» أقرب إلى صديق قديم يعرف شبكة علاقاته، وسجله الأكاديمي، وأحلامه، ومخاوفه.
ويقول ألتمان: «بعض الطلاب لا يتخذون قرارات حياتية دون العودة إلى روبوت الذكاء الاصطناعي الذي يستخدمونه، لأنه يعرف كل ما مروا به».
لم يأتِ الأهم بعد. تشهد السوق موجة جديدة من «وكلاء الذكاء الاصطناعي» المتخصصين. بدلًا من مساعد عام، سيكون لكل مستخدم فريق متكامل: مدرب صحي يتابع التاريخ الطبي، وخبير مالي يرصد النفقات والاستثمارات، ومستشار علاقات يقدم نصائح عاطفية، وآخر مهني يدعم المقابلات والسير الذاتية.
وتُطوِّر شركات ناشئة ومنصات كبرى نماذج «الخبراء الرقميين»، حيث يقوم طبيب حقيقي أو خبير مالي برفع محتواه (مقالات، فيديوهات، مقابلات)، لتقوم المنصة ببناء نسخة ذكية تفاعلية منه تتواصل مع المستخدمين مباشرة.
ما يميز هذا التحوّل هو التخصيص العميق. «الذكاء الاصطناعي» لا يعطيك معلومة عامة، بل يقدم ما يناسبك بالضبط. يعرف نمط نومك، جدولك الدراسي، عاداتك الشرائية، مزاجك اليومي. إنها مشورة مُعدّة لك، أنت فقط، في لحظتك الخاصة.
فل سيبقى البحث على «جوجل» كما نعرفه؟ أم أننا دخلنا حقبة جديدة نترك فيها مهمة «البحث» لمستشار رقمي يعرف ما نحتاجه حتى قبل أن نسأل؟
رغم التحديات المرتبطة بالدقة والتحيز والخصوصية، فإن المسار يبدو واضحًا: الجيل الجديد يجد في الذكاء الاصطناعي شريكًا في القرار، لا مجرد أداة للمعلومة. ومع تطوّر «الوكلاء الذكيين» القادرين على التصرّف نيابة عنا، فإن طريقة عيشنا نفسها ستتغير.
يبدو أن المستقبل لن يطلب منّا أن «نبحث»، بل أن «نسأل» مستشارًا رقميًا يعرفنا تمامًا، وربما يسبقنا بخطوة.
اقرأ أيضًا:
مفاجأة.. الذكاء الاصطناعي يفهم المشاعر أفضل من البشر
علماء يستخدمون البكتيريا لتحويل النفايات البلاستيكية إلى باراسيتامول.. كيف ذلك؟