
على مدى قرون، قاد المخترعون مسيرة التطور البشري بأفكارهم الجريئة واختراعاتهم الثورية التي غيّرت وجه العالم، فمن الأدوات البسيطة إلى الآلات المعقدة، كانت إبداعاتهم الشرارة الأولى لعصور من التقدّم العلمي والتقني، ومع ذلك، لم يحالف الحظ جميع هؤلاء المخترعين؛ إذ توفي بعضهم قبل أن يروا ثمار أفكارهم تتحقق، أو تُقدّر كما تستحق، ونسلط في السطور التالية الضوء على عشرة مخترعين استثنائيين لم يعشوا ليشهدوا نجاح ما أبدعوه.
في عام 1714، سجّل المهندس الإنجليزي هنري ميل براءة اختراع لما وصفه بـ”طريقة اصطناعية لطبع الحروف تدريجيًا”، وهي الفكرة التي مهّدت الطريق لاختراع الآلة الكاتبة، ولم يتمكن ميل من بناء نموذج عملي، وتوفي قبل أن يرى اختراعه قيد الاستخدام.
بعد أكثر من قرن، أعاد الأمريكيان كريستوفر شولز وكارلوس غليدن إحياء الفكرة، فظهرت أول آلة كاتبة حديثة عام 1873، وهكذا، تحقق حلم ميل بعد وفاته، لتصبح الآلة الكاتبة رمزًا للاتصال والمعرفة في العصر الحديث.
اشتهر فولتون بابتكاره للسفن البخارية، لكنه وضع تصميمًا أكثر جرأة عام 1814 لسفينة حربية بخارية تُدعى ديمولوغوس، وكانت فكرة السفينة محصنة بالدروع ومزودة بمحرك بخاري ضخم، لتكون أول سفينة حربية من نوعها. لكنه توفي قبل اكتمال المشروع بعام واحد.
واكتملت السفينة لاحقًا وتم تسميتها تكريمًا له باسم يو إس إس فولتون، لتصبح مصدر إلهام للتطور البحري الحديث.
يُعد البريطاني آلان تورينغ أحد أعظم المخترعين في تاريخ التقنية الحديثة، حيث وضع في عام 1945، تصورًا لحاسوب إلكتروني متعدد الأغراض أطلق عليه اسم “محرك الحوسبة الآلي”، وكانت فكرته الأساس الذي بُنيت عليه الحواسيب الرقمية لاحقًا، لكن المشروع اكتمل بعد وفاته بثلاث سنوات فقط، حيث رحل تورينغ عام 1954 دون أن يدرك أن فكرته ستصبح حجر الزاوية في الثورة الرقمية التي يعيشها العالم اليوم.
عُرف برونيل بعبقريته في الهندسة المدنية، وكان جسر كليفتون المعلق في بريستول أحد أعظم مشاريعه، حيث بدأ العمل عليه عام 1830، لكن الصعوبات المالية والبيروقراطية حالت دون اكتماله في حياته.
وبعد وفاته بخمس سنوات، اكتمل الجسر عام 1864، ليصبح أحد أجمل الجسور المعلقة في أوروبا، وشاهدًا خالدًا على عبقرية مهندسه الراحل.
في أواخر حياته، لاحظ غاليليو أن حركة البندول ثابتة زمنياً، وهي فكرة ثورية مهّدت لابتكار الساعة البندولية، حاول ابنه تنفيذ الفكرة دون نجاح، وتوفي غاليليو عام 1642 قبل أن تتحقق رؤيته، وبعد 14 عامًا، بنى كريستيان هويجنز أول ساعة بندولية ناجحة في العالم، مستندًا إلى أفكار غاليليو.
لقد غيّر هذا الاختراع مفهوم الزمن ذاته، وجعل العالم يقيس الوقت بدقة لم يعرفها من قبل.
لم يكن دافنشي رسامًا ومهندسًا فقط، بل كان موسيقيًا مبتكرًا، وفي عام 1490، رسم تصميم آلة موسيقية سماها فيولا أورغانستا، تجمع بين خصائص الكمان والبيانو، لم تُبنى الآلة في حياته، لكن رسوماته ألهمت العلماء والموسيقيين قرونًا لاحقة.
وفي عام 2013، نجح صانع الأرغن البولندي سلافومير زوبرزيكي في بناء نسخة طبق الأصل من الآلة، محققًا حلمًا موسيقيًا راود دافنشي منذ أكثر من 500 عام.
في القرن التاسع عشر، تخيل باباج آلة ميكانيكية قادرة على إجراء العمليات الحسابية بدقة متناهية، وأطلق عليها اسم “محرك الفرق”، وعلى الرغم من الدعم الحكومي، واجه المشروع عراقيل مالية وتقنية، وتوفي باباج عام 1871 دون أن يرى آلته تعمل.
وفي عام 1991، بنى متحف العلوم في لندن نموذجًا كاملًا للمحرك باستخدام تقنيات عصره، ليثبت أن باباج كان على حق، وأنه فعلاً أول من وضع الأسس للحواسيب الحديثة.
كان براوننج من أبرز المخترعين في مجال الأسلحة، حيث صمم مسدسًا عالي القوة عام 1923 بخصائص فنية متقدمة، لكن وفاته المفاجئة عام 1926 أوقفت المشروع.
وبعد سنوات، أكمل مساعده تطوير السلاح، وظهر “براوننج هاي باور” عام ، وأصبح هذا المسدس أحد أشهر الأسلحة في العالم، واستخدمته جيوش عدة دول لأكثر من نصف قرن، مانحًا براوننج شهرة لم يعرفها في حياته.
كان فورلانيني أحد رواد الطيران الإيطاليين، وصمم منطادًا متطورًا أطلق عليه اسم Omnia Dir عام 1930، حيث تميز بآلية دفع ثورية تعتمد على الهواء المضغوط، وتوفي فورلانيني في العام نفسه قبل أن يُختبر مشروعه بالكامل، ومع ذلك، ألهمت أفكاره المهندسين الذين طوروا لاحقًا أنظمة الدفع في الطائرات والمروحيات الحديثة.
اشتهر بيل لير، مؤسس شركة Learjet، برؤيته المستقبلية في صناعة الطيران، حيث صمم في السبعينيات، طائرة LearFan 2100 المصنوعة من ألياف الكربون، بوزن خفيف وكفاءة عالية، لكنه توفي عام 1978 قبل أن تُقلع الطائرة.
أكملت زوجته المشروع عام 1981، ونجحت الطائرة في رحلتها الأولى، ورغم توقف الإنتاج، بقيت الفكرة علامة فارقة في تاريخ الطيران.
قد يرحل المخترعون، لكن اختراعاتهم تبقى لتروي قصصهم، حيث أثبت التاريخ أن الأفكار العظيمة لا تموت بوفاة أصحابها، بل تجد طريقها إلى الحياة متى ما توفّر لها من يؤمن بها، حتى وإن لم يشهد أصحابها مجدها في حياتهم، لكنهل تظل خالدة كدليل على أن الإبداع لا يُقاس بعمر الإنسان، بل بما يتركه من أثر في العالم.
يمكنك أن تقرأ أيضًا:
إنفوجرافيك| ساناي تاكايتشي أول رئيسة وزراء لليابان