نزح ما يقرب من مليوني إنسان من مدن ومناطق مكتظة في جنوب الصين، بعدما وصل إعصار “راجاسا” محمّلًا برياح مدمّرة وأمطار غزيرة، ضاربًا أحد أكثر السواحل ازدحامًا على الكوكب. وجاءت هذه الكارثة في أعقاب الدمار الذي خلّفه الإعصار في تايوان، حيث لقي 14 شخصًا مصرعهم على الأقل، فيما لا يزال أكثر من 100 شخص في عداد المفقودين نتيجة الفيضانات وانهيار سد طبيعي.
كان “راجاسا” قد صُنّف قبل أيام كأشد الأعاصير قوة على مستوى العالم منذ بداية العام، إذ بدأ مساره بضرب جزر متفرقة في الفلبين، محدثًا خسائر بشرية ومادية، ثم اجتاح مناطق جبلية في تايوان قبل أن يتجه نحو هونغ كونغ وجنوب الصين. وقد تسبب توقف الحياة في هونغ كونغ، المركز المالي العالمي، كما امتد أثره إلى مدن صينية كبرى مثل شنتشن وقوانغتشو، الواقعتين في مقاطعة قوانغدونغ.
في تايوان، وقعت المأساة الأكبر عندما انهار سد طبيعي كان قد تشكّل نتيجة انهيار أرضي وقع في يوليو الماضي، مما أطلق العنان لكمية هائلة من المياه قُدرت بـ68 مليون طن. هذه المياه اندفعت فجأة لتغمر بلدة قوانغفو في مقاطعة هوالين شرقي الجزيرة، حيث اجتاحت الشوارع وجرفت المركبات، وأجبرت السكان على الهروب إلى الطوابق العليا من منازلهم بينما غمرت السيول الطوابق الأرضية.
مقاطع مصورة من البلدة أظهرت كيف اجتاحت المياه الجارفة المنازل، بينما كان الأهالي يراقبون مصيرهم من الشرفات. من جانبها، أكدت السلطات التايوانية أنها كانت على دراية بالخطر المحتمل، إذ حذرت مرارًا من أن البحيرة التي تشكّلت خلف السد الطبيعي قد تنفجر بحلول أكتوبر، لكن قوة الأمطار الموسمية الغزيرة، والتي تفاقمت بفعل الإعصار، عجّلت بانهياره قبل المتوقع.
وأشار كو لونج وانج، أستاذ بجامعة تشي نان الوطنية، إلى أن السيناريوهات الرسمية لم تكن تأخذ بالحسبان التأثير المباشر للأعاصير القوية، ما جعل الكارثة حتمية بمجرد وصول “راجاسا”. كما جرفت السيول جسرًا رئيسيًا في مقاطعة هوالين، مما زاد عزلة بعض المناطق.
في هونغ كونغ، ومع اقتراب العاصفة من المدينة فجرًا، بلغت سرعة الرياح أكثر من 160 كيلومترًا في الساعة، فاقتُلعت الأشجار الضخمة وتطايرت السقالات المعدنية من المباني قيد الإنشاء، فيما تكسرت الواجهات الزجاجية أمام الأمواج البحرية التي ضربت الميناء. وأظهر أحد الفيديوهات التي انتشرت على نطاق واسع، المياه تقتحم بهو فندق فاخر في منطقة أوشن بارك، مجبرة النزلاء على التراجع بينما اندفعت الأمواج عبر الأبواب. ورغم المشهد المرعب، أعلنت إدارة الفندق أنه لم يتم تسجيل أي إصابات، وأن السلطات تدخلت بسرعة لتأمين الموقع.
ولم تكن ماكاو أفضل حالًا، إذ غمرت المياه شوارعها السياحية الشهيرة حتى مستوى الخصر، في حين تعطلت الحركة بشكل كامل تقريبًا. وأعلنت السلطات في كل من هونغ كونغ وماكاو أعلى درجات التحذير من الأعاصير، وأمرت بإغلاق المدارس والمكاتب العامة وتعليق معظم وسائل النقل، بما في ذلك مطار هونغ كونغ الدولي الذي يُعد من بين الأكثر ازدحامًا في آسيا. وفي بعض أجزاء المدينة، وصل ارتفاع الأمواج إلى أكثر من ثلاثة أمتار.
على الجانب الآخر من الحدود، اتخذت مقاطعة قوانغدونغ الصينية إجراءات استباقية ضخمة، حيث تم إجلاء نحو 1.89 مليون شخص إلى مراكز إيواء أو مناطق آمنة بحلول مساء الثلاثاء، ونُقلت أكثر من عشرة آلاف سفينة من الموانئ إلى مواقع أكثر حماية. كما وضعت السلطات أكثر من 38 ألف عنصر من فرق الإطفاء والإنقاذ في حالة استعداد قصوى تحسبًا للطوارئ. وأظهرت مقاطع مصورة من شنتشن أمواجًا هائلة وهي ترتطم بالحدائق الساحلية، فيما وصلت سرعة الرياح هناك إلى نحو 181 كيلومترًا في الساعة.
رغم أن المنطقة من أكثر بقاع الأرض عرضة للأعاصير نظرًا لموقعها الجغرافي، فإنها تتمتع في الوقت نفسه ببنية تحتية متقدمة للتعامل مع الكوارث الطبيعية. هونغ كونغ على سبيل المثال استثمرت ما يقرب من 3.8 مليار دولار في نظام ضخم لتصريف مياه الأمطار، وهو ما ساعدها على تجنب الفيضانات الكارثية التي كانت تفتك بها في عقود سابقة. لكن التغير المناخي يفرض تحديات جديدة.
يقول خبراء الأرصاد إن تغير المناخ الناتج عن الأنشطة البشرية جعل الأعاصير أكثر شدة وأقل قابلية للتنبؤ. وأكد عالم الغلاف الجوي جوني تشان من مركز أبحاث الأعاصير في آسيا والمحيط الهادئ أن الاحترار العالمي يزيد من رطوبة الغلاف الجوي ويرفع درجة حرارة المحيطات، ما يضاعف طاقة العواصف. ويرى أن على المدن الآسيوية تحديث قوانين البناء بشكل مستمر لمواجهة مخاطر الرياح العاتية وارتفاع مستوى البحر.
وفي الفلبين، حيث بدأ الإعصار رحلته، وما تزال فرق الإنقاذ تعمل على إزالة آثار الدمار. وقد أُبلغ عن مقتل سبعة صيادين بعد انقلاب قاربهم قرب سواحل لوزون الشمالية. ووسط هذه الأوضاع، بدأت عاصفة جديدة تُعرف باسم “أوبونغ” تتشكل في أجواء الفلبين، ما ينبئ بموسم أعاصير طويل ومرهق للمنطقة.