اتخذت الصين خطوة مثيرة للجدل بالإعلان عن إقامة محمية طبيعية جديدة وسط بحر الصين الجنوبي، وهو من أكثر الممرات المائية التي تشهد نزاعات إقليمية في العالم. المحمية ليست سوى تكوين صخري محاط بالشعاب المرجانية، لكنها اكتسبت أهمية بالغة بسبب موقعها الحساس.
وفي يوم الأربعاء الماضي، صادقت السلطات الصينية على مشروع يقضي بإنشاء محمية وطنية داخل جزر سكاربورو، أو كما تطلق عليها بكين اسم جزيرة هوانغيان. هذا القرار غير المسبوق أثار جدلًا حادًا مع الفلبين، التي تعد المنافس الأبرز للصين في هذه المنطقة المتنازع عليها. ووفقًا لبيان الإدارة الوطنية للغابات والأراضي العشبية، ستغطي المحمية مساحة تتجاوز 3500 هكتار، وستركز بالأساس على حماية النظام البيئي المرجاني الذي يميز هذه المنطقة البحرية. لكن ما تعتبره الصين خطوة بيئية، تراه مانيلا محاولة جديدة لترسيخ النفوذ الصيني في بحر الصين الجنوبي.
رد الفعل الفلبيني كان سريعًا وحادًا. فقد اعتبرت وزارة الخارجية الفلبينية في بيان رسمي أن الخطوة “انتهاك واضح وغير قانوني” لحقوقها ومصالحها الوطنية، وأعلنت نيتها رفع احتجاج دبلوماسي رسمي. وأكدت أن الشعاب المرجانية، التي تعرف محليًا باسم “باجو دي ماسينلوك”، تشكل جزءًا لا يتجزأ من أراضي الفلبين منذ زمن بعيد. أما بكين، فقد نفت صحة هذه الاتهامات، وقالت وزارة خارجيتها إنها ترفض “الاحتجاجات التي لا أساس لها”، وطالبت مانيلا بالكف عن ما وصفته بـ”التضخيم والاستفزاز”.
وبالنظر إلى هذا التوتر يتضح أنه ليس جديدًا، فجزر سكاربورو لطالما كانت نقطة نزاع متكررة. فهي تقع على بعد نحو 200 كيلومتر فقط من الأراضي الفلبينية، أي ضمن نطاق منطقتها الاقتصادية الخالصة، بينما تبعد نحو 870 كيلومترًا عن مقاطعة هاينان الصينية. منذ عام 2012، وبعد مواجهة بحرية بين البلدين، فرضت الصين سيطرتها على الجزيرة المرجانية وأبقت وجودًا دائمًا لخفر السواحل فيها، مما أعاق وصول الصيادين الفلبينيين إلى مناطق صيدهم التقليدية.
وقد تصاعدت حدة التوتر أكثر في أغسطس الماضي، عندما وقع حادث دراماتيكي اصطدمت خلاله مدمرة تابعة للبحرية الصينية بسفينة لخفر السواحل الصيني أثناء مطاردة قارب فلبيني بالقرب من المنطقة، الأمر الذي ألحق أضرارًا كبيرة بالسفينة. هذا الاصطدام عكس مدى خطورة الاشتباكات المتكررة، خصوصًا أن الفلبين ترتبط بمعاهدة دفاع مشترك مع الولايات المتحدة، مما يرفع احتمال انخراط واشنطن في حال تصاعد النزاع المسلح.
بدوره دافع مجلس الدولة الصيني عن القرار، واصفًا إنشاء المحمية بأنه “إجراء ضروري لحماية التنوع الحيوي وضمان استدامة النظم البيئية في جزيرة هوانغيان”. كما أكد على ضرورة تكثيف الرقابة لمكافحة ما أسماه “الأنشطة غير القانونية”.
أشاد الإعلام الرسمي الصيني بالمحمية الجديدة، واعتبرها خطوة استراتيجية في إطار الدفاع عن السيادة الوطنية، بل أشار إلى أنها قد تصبح نموذجًا يمكن تطبيقه على جزر ومناطق بحرية أخرى في بحر الصين الجنوبي. ووفق القوانين الصينية، تنقسم المحمية إلى ثلاث مناطق: “منطقة أساسية” يحظر دخولها تمامًا، ومنطقتان تجريبيتان يسمح فيهما بالبحث العلمي والأنشطة التعليمية وحتى السياحة. كما يُسمح بإقامة مشاريع محدودة في المناطق التجريبية، في حين يُمنع البناء تمامًا داخل المناطق الأساسية. ويُلزم القانون الأجانب بالحصول على تصاريح رسمية قبل دخول أي محمية من هذا النوع.
ويرى بعض الباحثين الصينيين أن هذه الخطوة تمثل “ردًا قويًا” على اتهامات المجتمع الدولي بأن بكين تسببت في تدمير واسع للشعاب المرجانية عبر بناء الجزر الاصطناعية. غير أن هذا التفسير يثير الكثير من التساؤلات لدى جيران الصين والمدافعين عن البيئة، الذين يؤكدون أن أنشطة الردم والتجريف التي نفذتها بكين على مدى سنوات ألحقت أضرارًا جسيمة بالنظام البيئي البحري.
من جانبه وصف مستشار الأمن القومي الفلبيني، إدواردو آنو، الإعلان بأنه “ليس محاولة لحماية البيئة، بل ذريعة لتبرير السيطرة الصينية على المنطقة”. وأضاف أن بكين تدّعي اليوم حماية نظام بيئي هي نفسها من تسببت في تدميره. كما دعمت دراسات مستقلة هذا الموقف، إذ أشار تقرير لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) عام 2023 إلى أن الصين دفنت ما يقارب 4648 فدانصا من الشعاب المرجانية عبر عمليات التجريف لبناء جزر اصطناعية، فيما تضرر نحو 16353 فدانًا أخرى بسبب أنشطة صيد المحار العملاق.
ووفق المركز نفسه، فإن الصين ركزت معظم مشروعاتها على جزر باراسيل وسبراتلي، بينما لم تُبنَ أي منشآت حتى الآن في سكاربورو. ومع ذلك، تبقى الاتهامات متبادلة، فالفلبين تتهم ميليشيات بحرية صينية سرية بتدمير الشعاب المرجانية، فيما ترد بكين بالقول إن مانيلا هي التي تضر بالنظام البيئي في الممر البحري المتنازع عليه.
اقرأ أيضًا:
تايوان.. “جمهورية الصين” التي تسعى بكين لتعديل اللهجة الأمريكية بشأنها
6 علامات تشير إلى أزمة الاقتصاد الصيني
قرار الصين برفع سن التقاعد ضروري للغاية لهذا السبب