دق قادة كبرى شركات التأمين العالمية ناقوس الخطر، معلنين أن أزمة المناخ المتصاعدة تهدد المبدأ الأساسي الذي يقوم عليه الاقتصاد الحديث وهو القدرة على إدارة المخاطر والتأمين ضدها. وينقسم خبراء الصناعة الآن بين رؤيتين متضاربتين؛ إحداهما تحذر من أن العالم يقترب بسرعة من نقطة يصبح فيها غير قابل للتأمين، والأخرى تعتقد أن المشكلة ليست في إمكانية التأمين، بل في السعر الذي يجب دفعه مقابل ذلك.
يقود هذا المعسكر شخصيات بارزة مثل غونتر ثالينجر، عضو مجلس إدارة شركة “أليانز” للتأمين، الذي حذر من أن العالم يتجه نحو ارتفاع في درجات الحرارة بمقدار 2.6 إلى 3.1 درجة مئوية، وهو مستوى لن تتمكن معه شركات التأمين من تقديم تغطية للخدمات المالية الأساسية مثل الرهون العقارية والاستثمارات. وأشار إلى أن فئات أصول بأكملها “تتدهور بشكل فوري” مع تفاقم آثار الطقس المتطرف، مما قد يؤدي في النهاية إلى تدمير الرأسمالية.
وتدعم بيانات “مجموعة زيورخ للتأمين” هذه المخاوف، حيث كشف تقرير لها أن الخسائر المؤمن عليها عالميًا نمت بمعدل سنوي بلغ 5.9% على مدى الثلاثين عامًا الماضية، وهو أكثر من ضعف معدل نمو الاقتصاد العالمي البالغ 2.7%. وتعني هذه الفجوة المتزايدة أن أقساط التأمين ضد مخاطر المناخ سترتفع حتمًا، مما سيقلل من قدرة الأفراد والشركات على تحمل تكلفتها.
وتكمن المشكلة الأكبر في ما يُعرف بـ “فجوة الحماية”. ففي الوقت الحالي، حوالي ثلثي الخسائر الاقتصادية الناتجة عن الكوارث الطبيعية غير مؤمن عليها، مما يعني أن العبء المالي يقع مباشرة على عاتق الأفراد والحكومات. ويحذر ثالينجر من أنه “إذا زاد هذا الحجم أكثر من ذلك، فسنواجه ببساطة وضعًا مجتمعيًا لم يعد يُطاق”.
وفي محاولة لمواجهة هذه المخاطر المتزايدة، شهد سوق “سندات الكوارث” (CAT Bonds) – وهي أدوات مالية تم إنشاؤها في التسعينيات لجمع الأموال لشركات التأمين في حالات الطوارئ – نموًا هائلًا بنسبة 75% منذ نهاية عام 2020، وفقًا لشركة “سويس ري”. ويعكس هذا النمو بحث الصناعة عن طرق جديدة لإدارة المخاطر التي تفوق قدراتها التقليدية.
على النقيض من هذه النظرة القاتمة، يرى توبياس جريم، كبير علماء المناخ في شركة “ميونيخ ري” لإعادة التأمين، أن العالم لن يصبح غير قابل للتأمين. ويقول: “الأمر كله يتعلق بالسعر. ما زال لدينا رغبة في تقديم التأمين، طالما نحصل على قسط مناسب للمخاطر”. ويرى جريم أن المشكلة الحقيقية ليست في نموذج التأمين نفسه، بل في استمرار بناء عقارات باهظة الثمن في مناطق عالية الخطورة، مثل الفيلات الفاخرة في ضواحي لوس أنجلوس المعرضة لحرائق الغابات. ويؤكد أن الحل يكمن في تعزيز جهود الوقاية من الخسائر وتبني خطط أفضل لإدارة استخدام الأراضي.
وفي النهاية، يبدو أن صناعة التأمين منقسمة بين رؤيتين. رؤية تحذر من أننا نقترب من نقطة تحول يصبح فيها التكيف مستحيلًا. وكما يقول ثالينجر: “لا يمكننا حماية أمستردام من ارتفاع مستوى سطح البحر ثلاثة أمتار. هذا ببساطة أمرٌ غير قابل للتنفيذ”. ورؤية أخرى تعتقد أن نموذج التأمين مرن بما يكفي للتكيف عبر الأسعار، وأن المسؤولية تقع على عاتق المجتمعات في عدم بناء المخاطر بأنفسهم. ولكن يتفق الجميع على أن تكلفة التكيف مع المناخ الآن، مهما كانت باهظة، هي أقل بعشرة أضعاف من تكلفة الخسائر المستقبلية، مما يضع صناع السياسات أمام حافز اقتصادي واضح للتحرك قبل فوات الأوان.
اقرأ أيضًا:
غدًا بدء تطبيق أحكام نظام التأمينات الاجتماعية للمشتركين الجدد
إنفوجرافيك| أداء قطاع التأمين السعودي خلال 2024
مجلس الوزراء يضم هيئة التأمين إلى عضوية لجنة مكافحة غسل الأموال