logo alelm
قطع أثرية تكشف سرّ ضعف المجال المغناطيسي للأرض

هل يمكن لقطعة فخار متفحمة أو نفايات معدنية من العصر الحديدي أن تفك ألغاز المستقبل المغناطيسي لكوكب الأرض؟

يبدو السؤال غريبًا، لكن الإجابة التي يقدمها العلماء تحمل مفارقة مثيرة، فالماضي السحيق قد يخبرنا إلى أين يتجه درعنا الواقي من الإشعاعات الكونية.

يتحدث العلماء اليوم عن مؤشرات تدل على أن المجال المغناطيسي للأرض، الذي يحمي الكوكب من الرياح الشمسية والإشعاعات الضارة، يضعف ببطء. هذا الضعف، إذا استمر، قد يفتح الباب أمام أخطار متزايدة مثل تعطّل الأقمار الصناعية، وانقطاع الاتصالات، وحتى زيادة معدلات الإصابة بالسرطان بسبب اختراق الإشعاعات. لكن التنبؤ بمستقبل المجال يظل معقدًا، إذ لم تبدأ عمليات رصد شدة المجال بشكل منهجي إلا منذ عام 1832، ما يترك فجوة زمنية كبيرة في فهم تقلباته.

ما قصة «شذوذ بلاد الشام»؟

في عام 2008، عثر عالم الآثار إيريز بن يوسف على قطعة من خبث النحاس في جنوب الأردن، لم يكن يتوقع أنها تحمل مفاجأة علمية. فهذه البقايا المعدنية سجّلت ارتفاعًا حادًا وغير مسبوق في قوة المجال المغناطيسي قبل نحو 3,000 عام.

هذا الاكتشاف، الذي قوبل بداية بالتشكيك من المجتمع العلمي، أدى بعد عقد من الدراسات إلى تأكيد وجود «شذوذ العصر الحديدي في بلاد الشام»، حيث شهدت المنطقة بين عامي 1100 و550 قبل الميلاد موجات متطرفة في قوة المجال.

تعتمد تقنية «الآركيومغناطيسية» على المواد التي صنعها الإنسان القديم، مثل الأواني الفخارية أو الحجارة المشوية بالنار، التي تحفظ بداخلها اتجاه وشدة المجال المغناطيسي لحظة تعرضها للحرارة العالية. حين تبرد هذه المواد، تستقر الجسيمات المعدنية بداخلها وكأنها بوصلة زمنية عالقة، ما يتيح للعلماء إعادة رسم ملامح تاريخية دقيقة للمجال في منطقة معينة ضمن نطاق يصل إلى 500 كيلومتر.

ما الذي يكشفه هذا التاريخ المغناطيسي؟

يرى علماء الجيولوجيا أن فهم تقلبات المجال في الماضي يمنح العلماء أدوات للتنبؤ بمستقبله، ويقول عالم جيولوجي عمل سابقا في مدينة القدس، إنه «لا يمكننا مراقبة ما يحدث في لبّ الأرض مباشرة، لكن دراسة التغيّرات في المجال تمنحنا أدلة غير مباشرة على ديناميكياته».

هذه التغيّرات ترتبط بحركة الحديد السائل في النواة الخارجية للأرض، والتي تعمل مثل مولّد عملاق يُعرف باسم «الجيو دينامو». أي خلل أو اضطراب في هذه الحركة قد يفسر الشذوذات أو حتى الانقلابات القطبية.

هل هناك شذوذات مشابهة اليوم؟

أحد أشهر الشذوذات الحالية هو «شذوذ جنوب الأطلسي»، وهي منطقة ضعف تمتد من أمريكا الجنوبية إلى جنوب إفريقيا، حيث تتأثر الأقمار الصناعية بشكل متكرر بفقدان البيانات نتيجة اختراق الإشعاعات.

هذا الأمر يزيد القلق، خصوصًا مع ارتفاع عدد الأقمار الصناعية في المدار من 3000 فقط في عام 2020 إلى أكثر من 13500 حاليًا، مع توقع وصولها إلى 54000 بحلول عام 2030.

ورغم أن تقنيات قياس المجال المغناطيسي تطورت منذ خمسينيات القرن الماضي، فإن التحديات المادية والعلمية لا تزال قائمة. فالمغنطومترات المتطورة تكلف ما يقارب 800 ألف دولار، ما يحد من قدرة الباحثين، خاصة في إفريقيا التي تفتقر تمامًا لهذه الأجهزة. كما أن تحليل عينة واحدة من أثر قد يستغرق شهرين كاملين من التجارب المتكررة داخل المختبر.

وتشير أحدث النماذج التي وضعها عالم الجيومغناطيسية بابلو ريفيرا إلى أن الشذوذات المغناطيسية في الماضي والحاضر، مثل «شذوذ بلاد الشام» و«شذوذ جنوب الأطلسي»، قد تكون مرتبطة ببنية ضخمة من الصخور الساخنة تُعرف بـ«السوبر بلوم» تحت إفريقيا، والتي ربما تعطل تدفق الجيو دينامو في باطن الأرض.

شارك هذا المنشور:

المقالة السابقة

الأمم المتحدة تسمح للدول بمقاضاة بعضها البعض بسبب تغير المناخ

المقالة التالية

البيت الأبيض يعترف بظهور اسم ترامب في ملفات «إبستين»