أعلن علماء فلك عن اكتشاف مذنب قادم من الفضاء بين النجمي، يُعتقد أنه قد يكون أحد أقدم الأجرام السماوية التي تم رصدها على الإطلاق، حيث تشير التقديرات إلى أنه أكبر عمرًا من نظامنا الشمسي بمليارات السنين. هذا الزائر الكوني، الذي أُطلق عليه اسم “3I/ATLAS”، يمثل ثالث جسم بين نجمي معروف يتم اكتشافه، ويوفر للعلماء فرصة فريدة لدراسة مواد تكونت في جزء بعيد من مجرتنا قبل ولادة الشمس وكواكبها.
وقد تم عرض النتائج الأولية يوم الجمعة في الاجتماع الوطني للجمعية الفلكية الملكية البريطانية، حيث يتسابق علماء الفلك حول العالم حاليًا لتحديد مساره واكتشاف المزيد من التفاصيل عنه قبل أن يواصل رحلته ويختفي، على أمل أن يكشف عن أسرار جديدة حول تاريخ مجرة درب التبانة.
تم رصد المذنب “3I/ATLAS” لأول مرة في الأول من يوليو 2025 بواسطة تلسكوب المسح “ATLAS” في تشيلي، عندما كان على بعد حوالي 670 مليون كيلومتر من الشمس. ورغم أن عمليات الرصد السابقة للمنطقة تعود إلى 14 يونيو، إلا أنه لم يتم التعرف عليه كجرم جديد إلا في بداية هذا الشهر.
ويمثل هذا الاكتشاف المرة الثالثة فقط التي يتم فيها رصد جسم قادم من خارج نظامنا الشمسي، بعد اكتشاف الجرم الغامض “أومواموا” (1I/’Oumuamua) في عام 2017، والمذنب “بوريسوف” (2I/Borisov) في عام 2019. وقد صرح عالم الفلك بجامعة أكسفورد، ماثيو هوبكنز، بحماسه الشديد قائلاً: “لقد قضيت أربع سنوات في دراسة الدكتوراه أتنبأ باكتشاف المزيد من الأجسام بين النجوم، والآن وجدنا واحدًا”.
أوضح هوبكنز وفريقه من جامعة أكسفورد أن المذنبات التي تنتمي لنظامنا الشمسي، مثل مذنب هالي، يبلغ عمرها حوالي 4.5 مليار سنة، وهو نفس عمر النظام الشمسي. لكن الزوار بين النجميين لديهم القدرة على أن يكونوا أكبر سنًا بكثير.
وبناءً على سرعة الجسم ومساره، يعتقد الفريق أن عمر المذنب “3I/ATLAS” قد يتجاوز سبعة مليارات سنة، أي أنه أكبر من شمسنا بحوالي ثلاثة مليارات سنة. وقال البروفيسور كريس لينتوت، المشارك في الدراسة: “نعتقد أن هناك احتمالًا بنسبة الثلثين أن يكون هذا المذنب أقدم من النظام الشمسي، وأنه كان يطوف عبر الفضاء بين النجوم منذ ذلك الحين”. ويعتقد الفريق أن أصله يعود إلى “القرص السميك” لمجرة درب التبانة، وهو مجموعة من النجوم القديمة التي تدور حول مركز المجرة.
وتكمن الأهمية العلمية لهذا الاكتشاف في أن المذنب يقدم للعلماء “كبسولة زمنية” من جزء بعيد وقديم من المجرة. فبما أنه تشكل حول نجم آخر، فمن المرجح أنه يتكون من كمية كبيرة من الجليد المائي والمواد الأولية التي كانت موجودة في ذلك الجزء من المجرة قبل مليارات السنين. وقال لينتوت: “هذا جسم من جزء من المجرة لم نشاهده عن قرب من قبل”.
وعندما يقترب المذنب من الشمس في وقت لاحق من هذا العام، ستقوم حرارة الشمس بتسخين سطحه، مما سيؤدي إلى اندلاع أبخرة من الغاز والغبار، وهو ما قد يُنشئ ذيلاً متوهجًا يمكن تحليله لمعرفة المزيد عن مكوناته الكيميائية، وبالتالي فهم طبيعة النجوم التي تشكلت في تلك الحقبة البعيدة.
لا يمكن حاليًا رؤية المذنب إلا باستخدام تلسكوبات كبيرة جدًا، حيث يقع على مسافة تعادل تقريبًا مسافة كوكب المشتري عن الأرض. لكن من المتوقع أن يصبح مرئيًا باستخدام تلسكوبات الهواة في وقت لاحق من هذا العام. ويستعد علماء الفلك حول العالم لبدء استخدام تلسكوب “فيرا سي روبين” الجديد والقوي جدًا في تشيلي. ومن المتوقع أن يتمكن هذا التلسكوب، عند بدء مسحه الكامل للسماء، من اكتشاف ما بين خمسة إلى خمسين جسمًا بين نجمي جديد، مما سيفتح حقبة جديدة ومثيرة في دراسة الزوار القادمين من خارج نظامنا الشمسي.