في أعماق البحار، وبين مياه الأنهار والبحيرات، يخوض عدد من الكائنات الحية معركة يومية من أجل التنفس. فبينما تعتمد الأسماك على خياشيمها لاستخلاص الأكسجين من الماء، تلجأ كائنات أخرى إلى حلول ذكية، مثل حمل فقاعات هواء من السطح أو تخزينه داخل أجسامها. لكن بعض الحيوانات تفضل الطريقة الأصعب: حبس الأنفاس والغوص لفترات طويلة قبل الصعود مجددًا للسطح لالتقاط أنفاسها. وهنا يبرز سؤال مثير: ما الحيوان الأطول في حبس الأنفاس بين كل الكائنات؟ وما السر وراء هذه القدرة اللافتة؟
إذا احتسبنا حبس النفس بأنه البقاء تحت الماء دون تنفس مباشر، فإن السلاحف المائية، مثل سلحفاة بلاندينغ (Blanding’s turtle)، تتربع على القمة. هذه السلاحف تقضي فصل الشتاء في حالة “برومة” (brumation) — وهي نوع من السُبات الشتوي — تحت الماء، دون صعود للسطح، وقد تبقى هكذا لأشهر.
يكمن سرها في بطء الأيض لديها خلال درجات الحرارة المنخفضة، ما يقلل حاجتها للأكسجين بشكل كبير. الأغرب من ذلك أن هذه السلاحف تمتص كميات صغيرة من الأكسجين من خلال فتحة المذرق (التي تستخدم أيضًا للتكاثر وإخراج الفضلات)، في عملية تُعرف مجازًا بـ”التنفس عبر المؤخرة”.
يلعب الحجم دورًا محوريًا في مدة الغوص. فالكائنات الأكبر حجمًا مثل الحيتان تمتلك مخازن أكسجين أكبر، بينما تحتاج نسبة أقل من الأكسجين بالنسبة إلى وزنها. ويأتي في صدارة الثدييات الغواصة حوت “كوفير المنقاري” (Cuvier’s beaked whale)، والذي سجل رقمًا قياسيًا بالبقاء تحت الماء لمدة 3.7 ساعات متواصلة. ومن بين المنافسين أيضًا الحوت العنبر (138 دقيقة)، والحوت المنقاري من نوع أرنوكس (153 دقيقة).
يتمتع هؤلاء العمالقة بتكيفات بيولوجية مذهلة، منها:
رغم براعة الثدييات، إلا أن الزواحف الكبيرة تظل هي الأبطال الحقيقيون في سباق كتم النفس. تمكن تمساح المياه العذبة الأسترالي من البقاء تحت الماء لمدة 6.7 ساعات عندما شعر بالخطر، بينما سجلت سلحفاة البحر ضخمة الرأس (loggerhead turtle) رقمًا مذهلًا بلغ 10.2 ساعات تحت الماء. وما يمنح الزواحف هذه الأفضلية، إلى جانب التكيفات السابقة، هو كونها كائنات “متغيرة الحرارة”، أي لا تستهلك طاقة لتدفئة أجسامها، ما يقلل من احتياجها للأكسجين بشكل كبير.
في معركة حبس النفس، تتنوع الاستراتيجيات بين التكيفات البيوكيميائية والذهنية والفسيولوجية. لكن تبقى النتيجة واضحة: الزواحف — خاصة السلاحف البحرية — هي ملوك الغوص الطويل بلا منازع. وبينما يتحدى الحيتان والفقمات حدود الزمن، تظل السلاحف قابعة في أعماق البحار لساعات طويلة، بصمت وقدرة مذهلة على البقاء.