بينما علت الهتافات في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مخاطبًا زعماء العالم بخطاب أراد له أن يكون حازمًا، مؤكدًا أن إسرائيل “ستكمل المهمة” ضد حماس في غزة، حتى لو تخلى حلفاؤه الغربيون عن دعمه. وقال متحديًا: “قد يرضخ قادة الغرب للضغوط، لكن إسرائيل لن ترضخ”.
وافتتح نتنياهو كلمته على وقع انسحاب جماعي لعدد من المندوبين الذين غادروا القاعة تعبيرًا عن رفضهم لسياسته. وبينما كان يلقي كلماته، ترددت أصوات استهجان من بعض الحضور، في حين ردّ مؤيدون بالتصفيق. وكان الغياب الأبرز من نصيب كبار ممثلي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، إذ اكتفت بعثتاهما بإيفاد دبلوماسيين من الصفوف الدنيا، في دلالة واضحة على تراجع مستوى الدعم السياسي العلني.
ولم يتأخر نتنياهو في مهاجمة موجة الاعتراف الدولي المتنامية بدولة فلسطين، معتبرًا أن الخطوة “مخزية” وأنها لن تؤدي إلا إلى تشجيع الإرهاب – على حد وصفه – ضد اليهود وضد المدنيين في أنحاء العالم. وأصر على أن إسرائيل لن تسمح بقيام دولة فلسطينية، واعتبر أن من يطالبون بذلك “يكافئون القتلة بدلًا من إدانتهم”.
وكعادته في خطابات الأمم المتحدة، لجأ نتنياهو إلى الاستعراض البصري، فرفع خريطة للشرق الأوسط وعلّم عليها بقلم أحمر. كما ارتدى دبوسًا يحمل رمز QR يقود إلى موقع إلكتروني يروّج للرواية الإسرائيلية بشأن الرهائن. حتى أعضاء وفده رُئيوا بدبابيس مماثلة، في رسالة جماعية مدروسة. ولم يفوت الفرصة ليشيد بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، مؤكّدًا أن سياساته فتحت آفاقًا جديدة لإسرائيل في المنطقة، بل وكشف أن حكومته تجري حوارًا مع سوريا لإبرام ترتيبات أمنية مع سلطتها الجديدة.
في خطوة وُصفت بغير المسبوقة، أعلن مكتب نتنياهو أن خطابه سيُبث مباشرة إلى سكان غزة عبر مكبرات صوت نُصبت على الحدود، بل وحتى عبر الهواتف التي يزعم الجيش الإسرائيلي أنه قادر على السيطرة عليها. إلا أن صحفيي وكالات دولية قالوا إنهم لم يرصدوا أي دلائل مباشرة على حدوث ذلك داخل القطاع.
وجاء خطاب نتنياهو هذه المرة في ظروف استثنائية؛ فعدد من الدول – بينها أستراليا وكندا وفرنسا وبريطانيا – أعلن اعترافه بالدولة الفلسطينية، بينما يناقش الاتحاد الأوروبي فرض رسوم جمركية وعقوبات على إسرائيل. وفي الوقت ذاته، تلاحق نتنياهو مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية تتهمه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بينما تنظر محكمة العدل الدولية في دعوى جنوب أفريقيا التي تتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة.
شهد اليوم الذي سبق خطاب نتنياهو كلمة للرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي ألقى كلمته عبر الفيديو بعدما رفضت الولايات المتحدة منحه تأشيرة دخول. ورحّب عباس باعتراف الدول بفلسطين، لكنه شدد على أن العالم لم يقم بما يكفي لإنهاء الاحتلال وتمكين الفلسطينيين من إقامة دولتهم. وقال: “حان الوقت كي يتحرك المجتمع الدولي بشكل عادل تجاه شعبنا”.
وما تزال أحداث السابع من أكتوبر 2023 تلقي بظلالها الثقيلة على المشهد. فالهجوم الذي نفذته حماس أوقع، بحسب الرواية الإسرائيلية، 1200 قتيل وأكثر من 250 رهينة. أما الرد الإسرائيلي فكان كارثيًا على غزة، حيث تجاوز عدد القتلى 65 ألفًا معظمهم من النساء والأطفال، مع نزوح تسعة من كل عشرة من السكان، وازدياد التحذيرات الدولية من كارثة إنسانية ومجاعة تهدد القطاع بأكمله.
ورغم كل هذه الضغوط، بدا نتنياهو عازمًا على المواجهة، مستبقًا رحلته إلى نيويورك بتصريحات في مطار بن غوريون قال فيها: “سأقول للعالم الحقيقة. وسأدين أولئك القادة الذين يريدون منح الإرهابيين دولة بدلًا من محاسبتهم على جرائمهم”.
اقرأ أيضًا:
ما مصير سلاح حماس حال قيام دولة فلسطينية؟.. قياد بالحركة يوضح
المملكة المتحدة تعترف بالدولة الفلسطينية.. ماذا يعني ذلك؟
تفاصيل خطة ترامب لإنهاء الحرب في غزة