logo alelm
المملكة المتحدة تعترف بالدولة الفلسطينية.. ماذا يعني ذلك؟

كشف رئيس الوزراء السير كير ستارمر عن قرار بلاده الاعتراف رسميًا بدولة فلسطين، في خطوة اعتُبرت بمثابة تحول استراتيجي في الموقف الحكومي وتوجهات السياسة الخارجية البريطانية.

وفي كلمة متلفزة بثها عبر منصة X، أوضح ستارمر أن هذا الموقف يأتي “في مواجهة مشاهد الرعب المتصاعدة في الشرق الأوسط”، مؤكدًا أن الهدف هو حماية فرص السلام وإبقاء خيار حل الدولتين حيًّا. وجاء الإعلان البريطاني متزامنًا مع خطوات مشابهة اتخذتها كل من أستراليا وكندا، في حين يُنتظر أن تعلن البرتغال عن قرار مماثل قريبًا.

انتقادات إسرائيلية وتباينات داخلية

قوبلت الخطوة البريطانية بردود فعل غاضبة من إسرائيل، حيث هاجم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو القرار ووصفه بأنه تهديد لوجود بلاده و”مكافأة غير مبررة للإرهاب”. وانتقدت عائلات الرهائن لدى حماس ومعها عدد من المحافظين البريطانيين الموقف ذاته، بينما رأت كلا من تل أبيب وواشنطن أن الاعتراف يشكل منحة سياسية لحماس عقب هجومها على جنوب الأراضي المحتلة من إسرائيل في أكتوبر 2023.

وكان ستارمر قد أشار في يوليو الماضي إلى أن بريطانيا ستغير موقفها إذا لم تلتزم إسرائيل بعدة شروط، من بينها القبول بوقف إطلاق النار في غزة والانخراط في عملية سلام تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية تعيش جنبًا إلى جنب مع إسرائيل. وقد شددت الحكومات البريطانية السابقة على أن الاعتراف يجب أن يأتي في إطار عملية السلام وفي التوقيت الأكثر تأثيرًا، إلا أن وزراء حكومة ستارمر شددوا مؤخرًا على وجود مسؤولية أخلاقية لإبقاء آمال السلام قائمة.

لكن مساعي التهدئة ما زالت متعثرة، بل ازدادت الأوضاع سوءًا مع غارة إسرائيلية على فريق تفاوضي لحماس في قطر، وهو ما أثار انتقادات دولية واسعة. وأفادت مصادر حكومية بريطانية أن الأوضاع الإنسانية في غزة “تدهورت بشكل لا يُحتمل”، في ظل مشاهد الجوع والعنف التي وصفها ستارمر سابقًا بأنها “تفوق قدرة البشر على الاحتمال”.

ووفق وزارة الصحة في غزة، قُتل 71 شخصًا وأصيب أكثر من 300 آخرين خلال يوم واحد جراء القصف الإسرائيلي، بينما أجبرت العملية البرية الأخيرة في مدينة غزة مئات الآلاف على النزوح في ظروف وصفها أحد مسؤولي الأمم المتحدة بأنها “كارثية”. وتشير أرقام الوزارة إلى أن الحرب التي تقترب من عامها الثاني أودت بحياة ما يزيد عن 65 ألف فلسطيني، وخلفت دمارًا واسعًافي البنية التحتية. وفي سياق متصل، أعلنت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة هذا الأسبوع أن إسرائيل ارتكبت “إبادة جماعية” بحق الفلسطينيين في غزة، وهو ما رفضته تل أبيب واعتبرته “تقريرًا مشوهًا”.

الاستيطان وعوامل الاعتراف

من جانب آخر، لفت الوزراء البريطانيون إلى أن التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية، ولا سيما المشروع المعروف باسم E1، كان عاملًا أساسيًا في قرار لندن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لكونه يقوض فرص قيام دولة قابلة للحياة جغرافيًا. وفي الضفة الغربية، اعتبر محمد جرار، رئيس بلدية جنين، أن “إسرائيل تسعى لضم الضفة”، مؤكدًا أن الاعتراف البريطاني يمثل “تأكيدًا على أن الشعب الفلسطيني يمتلك دولة حتى وهو تحت الاحتلال”.

أما نائب رئيس الوزراء ديفيد لامي، فقال إن “اللحظة الراهنة هي الوقت المناسب للتشبث بحل الدولتين”، لكنه أقر بأن هذا الاعتراف لن يطعم الأطفال الجائعين أو يحرر الرهائن، إذ تبقى هذه القضايا رهنًا بوقف إطلاق النار والمساعدات الإنسانية. وقد رحب الرئيس الفلسطيني محمود عباس بقرار بريطانيا، خلال لقائه ستارمر في لندن مطلع الشهر الجاري، فيما شدد حسام زملط، الممثل الفلسطيني في المملكة المتحدة، على أن الاعتراف يمثل “حقاً غير قابل للتصرف” وتصحيحاً لمسار التاريخ.

في المقابل، أعرب وزير المالية في حكومة الظل المحافظة ميل سترايد عن دعمه لمبدأ حل الدولتين، لكنه هاجم التوقيت معتبرًا أن الاعتراف الآن “لا يحقق لبريطانيا أي مكاسب فعلية”، بل يخضع لحسابات سياسية داخلية تخص الحكومة. وعلى النقيض، أثنى زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي إد ديفي على القرار واعتبر أنه “كان يجب أن يُتخذ منذ سنوات”، داعيًا الحكومة لممارسة ضغوط مباشرة على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإيقاف القتال.

الرهائن والضغوط الدولية

في هذه الأثناء، ناشدت عائلات بعض الرهائن لدى حماس رئيس الوزراء التراجع عن القرار حتى استعادة ذويهم، محذرة من أن الخطوة قد تُعقد جهود الإفراج عنهم. وردًا على ذلك، أكد لامي أنه يواصل مناقشة القضية مع تلك العائلات، مشدداً في الوقت نفسه على أن “حماس ليست الشعب الفلسطيني”. ومن المقرر أن يربط ستارمر موقفه النهائي بخطوات إسرائيل في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة المقبل، داعياً تل أبيب إلى اتخاذ إجراءات ملموسة لوقف الحرب، والالتزام بالسلام طويل الأمد، وإحياء أفق حل الدولتين.

ورغم أن الاعتراف بفلسطين رمزيًا في ظل غياب حدود معترف بها دوليًا وعاصمة وجيش، إلا أنه قرار يحظى حاليًا بدعم نحو 75% من دول العالم. ويظل مطلبًا تقليديًا داخل أوساط حزب العمال، بينما يواجه ستارمر ضغوطًا متزايدة من نواب حزبه لاتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه إسرائيل.

اقرأ أيضًا:
إنفوجرافيك| غزة.. عامان من النداءات بلا استجابة
فلسطين تثمن دعم المملكة الراسخ في مواجهة التوسع الاستيطاني
أستراليا تعتزم الاعتراف بالدولة الفلسطينية ..هل يتغير الموقف الأمريكي؟

شارك هذا المنشور:

المقالة السابقة

إنفوجرافيك| غزة.. عامان من النداءات بلا استجابة

المقالة التالية

إنفوجرافيك| اغتيال حسن نصر الله.. تفاصيل جديدة تتكشّف