logo alelm
لماذا يتصرف “ترامب” بفوضوية؟

تتسم رئاسة دونالد ترامب بالسرعة والتقلبات الحادة إلى درجة تجعل متابعتها أشبه بسلسلة من الانفجارات المتتالية، التي يبدو أنها تنبع في الغالب من دوافع عفوية وهواجس شخصية. وهو ما يُثير التساؤلات حول السبب الذي يدفع ترامب لانتهاج هذا السلوك الفوضوي.

يحاول ستيفن كولينسون الإجابة على هذا التساؤل من خلال تحليل نشرته شبكة CNN، إذ يقول إنه في يوم واحد فقط، شهد البيت الأبيض سلسلة من القرارات المثيرة للجدل: فقد تحدى الإجماع العلمي بشأن أسباب مرض التوحد، وصنّف حركة يسارية مناهضة للفاشية كجماعة إرهابية محلية، رغم شكوك قانونية حول إمكانية ذلك.وفي الوقت نفسه، تصاعدت الدعوات الموجهة للنائبة العامة بام بوندي بمقاضاة خصوم ترامب السياسيين، رغم غياب دلائل ملموسة. كما شهدت الجهود التي يقوم بها ترامب للحد من حرية الإعلام والرقابة على التعبير محاولة تعثر نادرة، إذ سمحت قناة ABC لمقدم البرامج جيمي كيميل بالعودة إلى البث بعد جدل واسع حول تصريحاته المتعلقة بمتهم في قضية قتل تشارلي كيرك.

وبحسب التحليل فإذا جُمعت هذه الأحداث في إدارة رئاسية تقليدية، كانت ستصنّف من أكبر الخلافات السياسية التي قد تؤدي في بعض الحالات إلى إجراءات عزل. إلا أن ملايين الأميركيين الذين يعيشون في بيئات إعلامية وسياسية مختلفة عن تلك التي ينتمي إليها منتقدو ترامب لا يعتبرون تصرفاته تهديدًا وجوديًا لبلادهم أو لمصالحهم الثقافية والاقتصادية. ويشير دعم هذه القاعدة الشعبية إلى أن تحركات ترامب ليست مجرد انفعالات شخصية، بل هي غالبًا جزء من استراتيجية سياسية منظمة تهدف إلى مكافأة الحلفاء وتعزيز نفوذه السياسي.

ترامب والفوضى الرئاسية

يقول كولينسون إن خطابات ترامب العدوانية، مثل ما أدلى به في حفل تأبين تشارلي كيرك، تظهر أنه لم يضع حكم البلاد كأولوية قصوى، بقدر ما يركز على صياغة القضايا الوطنية بما يرضي قاعدة الناخبين المحافظين. وهذا التوجه يفسر سبب بقائه محتفظًا بشعبية قوية رغم ما يصفه البعض بالفوضى الرئاسية التي تشهدها إدارته. لكن بعض القرارات، خصوصًا المتعلقة بالتدخل في النظام القضائي ونظام الصحة العامة، تكشف عن استغلال ترامب للسلطة الحكومية لتعزيز موقفه السياسي.

وتجسد منشورات ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي دعوة بوندي لمقاضاة خصومه السياسيين انتهاكًا صارخًا للفصل المفترض بين البيت الأبيض ووزارة العدل. لو كان هذا التصريح قد تسرب في تقرير صحفي رسمي بدلًا من أن يكون منشورًا علنيًا، لكان مثار فضيحة كبيرة، إذ يعد استخدامًا واضحًا للسلطة لتحقيق أهداف سياسية شخصية.

وفي خطوة ذات صلة، عيّن ترامب ليندسي هاليغان، إحدى مساعدات البيت الأبيض، في منصب المدعي العام الفيدرالي الأعلى للمنطقة الشرقية من ولاية فرجينيا، لتستبدل إريك سيبرت الذي أُقيل بسبب عدم توجيه اتهامات لخصوم الرئيس، بما في ذلك المدعية العامة لنيويورك ليتيتيا جيمس. ويثير هذا التدخل مخاطر كبيرة على نزاهة النظام القضائي، الذي يقوم على مبدأ المساواة أمام القانون وغياب التأثير السياسي على قرارات الادعاء. فقد لاحظ رام إيمانويل، رئيس موظفي إدارة أوباما السابق، في برنامج “غرفة العمليات” أن العدالة يجب أن تكون عمياء ولا أحد فوق القانون. وأضاف أن تصرفات ترامب تشير إلى تحيّز محتمل، بما يضفي عليه طابع الحاكم المستبد على الصعيد العملي.

رغم ذلك، يرى أنصاره في ترامب ضحية لنظام قضائي “مسيّس”، واستطاع أن يحوّل نفسه إلى رمز للمقاومة ضد ما يعتبرونه مضايقات قانونية غير عادلة، وهو ما يساهم في تعزيز قاعدته الانتخابية، رغم أن أفعاله قد تبدو تهدد سيادة القانون. وقد أكد السيناتور ماركوين مولين، عضو مجلس الشيوخ الجمهوري عن ولاية أوكلاهوما، أن ترامب “منفتح وشفاف للغاية مع الشعب الأمريكي”، وأن هذا الانفتاح هو ما يجذب أنصاره. كما أشار إلى أن الرئيس كان محقًا في المطالبة بالتحقيق مع شخصيات مثل مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق جيمس كومي والسيناتور الديمقراطي آدم شيف، معتبرًا أن هذا يعكس مسؤولية ترامب في محاسبتهم على ما ارتكبوه خلال التحقيقات السابقة.

وتجدر الإشارة إلى أن هيئة محلفين كبرى وجّهت لترامب اتهامات في قضايا اتحادية، منها محاولته استخدام سلطته لقلب إرادة الناخبين في انتخابات 2020، وكذلك إدانته في نيويورك بـ34 تهمة تتعلق بتزوير السجلات التجارية ودفع رشوة. وفق التحليل.

تحركات ترامب في ملف التوحد والصحة العامة

على صعيد الصحة العامة، أعلن ترامب، يوم الاثنين، عن ارتباط استخدام الأسيتامينوفين أثناء الحمل بزيادة خطر الإصابة بالتوحد، متجاوزًا الإجماع العلمي الذي يشير إلى أن أسباب التوحد متعددة ولا تثبت أي علاقة مباشرة بمسكنات الألم. كما أعاد إطلاق جدل حول سلامة لقاحات الأطفال، مما يعكس تجاهلًا واضحًا للمعايير العلمية المعتمدة ويثير قلق الخبراء بشأن تأثير مثل هذه التصريحات على الصحة العامة.

وقال ترامب لوزير الصحة روبرت إف كينيدي جونيور: “لقد فهمنا أكثر بكثير مما فهمه الأشخاص الذين درسوا الأمر”، في إشارة إلى اعتماده على خبرات غير تقليدية لتوجيه سياساته الصحية. وتتبنى هذه القرارات هدفًا سياسيًا واضحًا، إذ تعمل على جذب قاعدة من الناخبين المتشككين بشدة في المؤسسات الصحية، والتي تضم مناهضين للتطعيم وأشخاصًا يرفضون التدخلات الطبية التقليدية، بما في ذلك مسائل المبيدات والفلورة والمخاطر الغذائية. حتى لو كانت هذه الفئة صغيرة نسبيًا، فإنها تلعب دورًا مهمًا في التأثير على الانتخابات، خصوصًا في السباقات التنافسية للكونغرس لعام 2026.

ويمثل هذا النهج جزءًا من استراتيجية أوسع لترامب لإعادة بناء الثقة في صفوف مؤيديه، عبر تقديم نفسه كمتمرد يكشف أسرار “الدولة العميقة” ويواجه المؤسسات العلمية والقانونية الرسمية، حتى في ظل الجدل حول قضايا مثل صديقه السابق جيفري إبستين.

اقرأ أيضًا:
ترامب يثير الجدل في زيارته لبريطانيا.. هل اخترق البروتوكول الملكي؟
إنفوجرافيك| قلق شعبي أمريكي من توسيع صلاحيات ترامب
لماذا يرى الجمهوريون أن ترامب ضحية لعبة بوتين؟

شارك هذا المنشور:

المقالة السابقة

من فتح الرياض وحتى التوحيد.. أوائل الإطلاقات في تاريخ المملكة

المقالة التالية

موعد مباراة أهلي جدة وبيراميدز والتشكيل المتوقع