على الرغم من ان خطة رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لاحتلال كامل لقطاع غزة تبدو وكانها تحظى بموافقة الجميع في تل أبيب، إلا أن هذا القرار، الذي يأتي بعد ما يقرب من عامين من القتال، لم يثر فقط إدانة دولية واسعة، بل فجر عاصفة من المعارضة والانقسامات داخل إسرائيل نفسها، حيث وجد نتنياهو نفسه في مواجهة ثلاث جبهات متضاربة: قيادة جيشه التي تحذر من العواقب، وعائلات الرهائن التي تتهمه بالعمل ضد أبنائها، وحلفاؤه في اليمين المتطرف الذين يرون أن الخطة لا تزال غير كافية.
وكان نتنياهو أعلن في مقابلة مع شبكة “فوكس نيوز” أن إسرائيل “تعتزم” السيطرة عسكريًا على كامل قطاع غزة. وتتضمن الخطة، التي قد تستغرق ما يصل إلى خمسة أشهر، توسيع سيطرة الجيش لتشمل المناطق القليلة المتبقية، وإجبار حوالي مليون فلسطيني على العودة إلى مناطق إخلاء في جنوب غزة، حيث سيقوم الجيش بإنشاء مجمعات سكنية لإيوائهم. أما عن رؤية “اليوم التالي”، فقد زعم نتنياهو أن إسرائيل لا تخطط لحكم غزة على المدى الطويل، وأن الهدف النهائي هو تسليم السيطرة للقوات العربية، دون أن يقدم تفاصيل حول كيفية تحقيق ذلك.
واجهت الخطة معارضة شديدة من المؤسسة العسكرية. فقد حذر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الفريق إيال زامير، في اجتماع متوتر مع نتنياهو، من أن الاستيلاء الكامل على غزة من شأنه أن يحاصر الجيش داخل القطاع في حرب استنزاف طويلة، ويعرض حياة الرهائن المتبقين والجنود للخطر. وفي تصريح علني نادر يعكس حجم الخلاف، قال زامير: “ثقافة النقاش جزء لا يتجزأ من تاريخ الشعب اليهودي. سنواصل التعبير عن موقفنا دون خوف – بطريقة مهنية ومستقلة وموضوعية”.
وتتزامن هذه المخاوف العسكرية مع رأي الشارع الإسرائيلي، حيث تظهر استطلاعات الرأي باستمرار أن غالبية الإسرائيليين يؤيدون التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار يضمن عودة الرهائن، بدلًا من إطالة أمد الحرب. وهاجمت عائلات الرهائن المتبقين في غزة خطة الحكومة بعنف، ووصفتها بأنها حكم بالإعدام على أحبائهم. وقال يهودا كوهين، الذي لا يزال ابنه نمرود محتجزًا في غزة: “نتنياهو يعمل ضد الرهائن. يعمل على قتلهم من خلال تواجده في غزة ومواصلة المناورات، وخاصةً في المناطق التي يتواجد فيها الرهائن”. وقد أعلنت جمعية “منتدى الأسرى والمفقودين” عن نيتها تنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر انعقاد اجتماع مجلس الوزراء الأمني للتعبير عن رفضها لأي توسع محتمل للحرب، في وقت تظهر فيه استطلاعات الرأي أن غالبية الإسرائيليين يؤيدون إنهاء الحرب مقابل إطلاق سراح الرهائن.
لم ترق خطة نتنياهو لحصار مدينة غزة إلى مستوى مطالب شركائه في الائتلاف، إذ يدفع بن غفير وسموتريتش باتجاه احتلال كامل للقطاع المحاصر كخطوة أولى لإعادة بناء المستوطنات اليهودية في غزة، وفي نهاية المطاف ضمها. كما أنها أقل مما كان نتنياهو نفسه يروج له قبل الاجتماع. وقد نقل مصدر مقرب من الوزير سموتريتش أن الاقتراح الذي قدمه نتنياهو، على الرغم من موافقة مجلس الوزراء عليه، هو في جوهره “مجرد تكرار لما سبق”، واصفًا القرار بأنه “ليس أخلاقيًا ولا صهيونيًا” لأنه لا يرقى إلى مستوى الاحتلال الكامل وإعادة الاستيطان الذي يطالبون به.
وعلى الصعيد الدولي، تضع خطة الاستيلاء على غزة نتنياهو وإسرائيل في عزلة غير مسبوقة. فرغم الدعم الذي منحه البيت الأبيض في عهد الرئيس ترامب، إلا أن أزمة الجوع المتفاقمة قد أضرت بالشرعية العالمية للحرب. وجاءت التداعيات فورية، حيث أعلنت ألمانيا – ثاني أهم حليف استراتيجي لإسرائيل – تعليق بعض صادراتها العسكرية، مما يمهد الطريق أمام دول أوروبية أخرى لاتخاذ خطوات مماثلة.
وبشكل عام، يبدو أن المستفيد الوحيد من هذا القرار هو نتنياهو نفسه. فهو يمنحه مزيدًا من الوقت لتجنب الاختيار الحتمي بين وقف إطلاق نار حقيقي قد ينقذ الرهائن (ويغضب ائتلافه)، أو تصعيد عسكري شامل يرضي شركاءه (ويثير غضب الجيش والعالم). ويصفها البعض بأنها مناورة سياسية تهدف إلى إطالة أمد الحرب، وإدامة معاناة سكان غزة والرهائن الإسرائيليين على حد سواء، كل ذلك من أجل بقائه السياسي.
اقرا أيضًا:
عاصفة إدانات عالمية تجتاح خطة نتنياهو لاحتلال غزة بالكامل