شنت الكيان المحتل غارات جوية عنيفة على العاصمة السورية دمشق، مستهدفًا مبنى لوزارة الدفاع، وبرر ذلك بأنه يأتي في إطار التزامه بحماية الأقلية الدرزية في محافظة السويداء جنوبي البلاد، ويأتي هذا التدخل المباشر في وقت تشهد فيه سوريا موجة جديدة من الصراع الداخلي، مما يضع العلاقة المعقدة بين إسرائيل والدروز في قلب أزمة إقليمية متنامية.
لفهم الموقف الإسرائيلي، لا بد من النظر إلى داخل حدودها، حيث يعيش في إسرائيل حوالي 130 ألف مواطن درزي، يشكلون نسيجًا فريدًا ومؤثرًا في الأراضي المحتلة، فعلى عكس الأقليات العربية الأخرى، يؤدي الرجال الدروز الخدمة العسكرية الإلزامية في الجيش الإسرائيلي منذ عام 1957، وكثيرًا ما يصلون إلى مناصب رفيعة في الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية.
صاغ هذا الواقع ما تصفه إسرائيل بـ “التحالف الأخوي العميق”، والذي تعتبره مبررًا للتدخل عسكريًا لحماية أقاربهم في سوريا.
بدأت الأزمة الأخيرة عندما اندلعت اشتباكات عنيفة بين فصائل درزية مسلحة وعشائر بدوية سنية موالية للحكومة في السويداء، ومع تدخل الجيش السوري لفرض سيطرته، أطلق أحد الزعماء الدروز، الشيخ حكمت الهجري، نداء استغاثة دولي، وهو ما استجاب له الطيران الإسرائيلي بسرعة.
يضع هذا التدخل الحكومة السورية الجديدة، بقيادة أحمد الشرع، في موقف حرج، فبينما تسعى لتوحيد الفصائل المسلحة تحت راية جيش وطني ونزع سلاح الميليشيات، ترفض الفصائل الدرزية التخلي عن أسلحتها، معبرة عن عدم ثقتها في الحكومة ذات الخلفية الإسلامية.
وأقر الشرع بأن بلاده كانت أمام خيارين، إما “حرب مفتوحة” مع الكيان المحتل، أو السماح بانسحاب قواته من السويداء، وهو ما حدث بالفعل بموجب هدنة هشة تم التوصل إليها بوساطة أمريكية وتركية.
وتزداد الصورة تعقيدًا مع المحاولات الأمريكية لدفع سوريا نحو تطبيع العلاقات مع الاحتلال.
وبينما عقد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لقاءً تاريخيًا مع الشرع في الرياض، ورفعت واشنطن العقوبات عن دمشق، فإن الضربات الإسرائيلية المتكررة تعرقل هذه المساعي، فالحكومة السورية تجد صعوبة في التماهي مع فكرة التطبيع لشعبها بينما تتعرض سيادتها لانتهاكات مستمرة.
ووفقًا لتحليل نشرته شبكة “CNN” الأمريكية فإن الأقلية الدرزية عالقة بين مطرقة حكومة سورية لا تثق بها، وسندان حماية إسرائيلية لها أهدافها الاستراتيجية الخاصة.
ويضيف التحليل أنه رغم التوصل إلى هدنة مؤقتة، فإن الأسباب الجذرية للصراع ما زالت قائمة، مما يجعل جنوب سوريا ساحة مفتوحة على كافة الاحتمالات، وورقة مساومة في لعبة إقليمية أكبر بكثير من حدود محافظة السويداء.