انتشر مقطع فيديو مثير للجدل، عبر منصات التواصل الاجتماعي، زُعم أنه يُوثّق لحظة انهيار منصة رئاسة البرلمان البوليفي بفعل زلزال مفاجئ، أودى – بحسب الادعاءات – بحياة عشرات الأشخاص. غير أن التحققات البصرية والتقنية أثبتت أن المشاهد لا تمتّ إلى الواقع بصلة، وأن الفيديو مُولَّد باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
ونُشر المقطع لأول مرة عبر حساب على تيك توك يحمل اسم «animemaniaperuoficial»، يُعرّف نفسه بأنه مخصص لإنتاج محتوى إبداعي باستخدام الذكاء الاصطناعي. وقد حمل الفيديو عنوانًا لافتًا: «هزة أرضية في البرلمان البوليفي»، دون تنويه كافٍ يوضح أنه محاكاة رقمية.
ورغم إشارة صانعه إلى أن المقطع مُولَّد تقنيًا، فإن تداوله خارج سياقه الأصلي جرّده من تنويهاته الأساسية، ما سهّل تضليل الجمهور، خاصة في ظل الأوضاع السياسية المتوترة التي تشهدها بوليفيا.
جاء تداول المقطع في توقيت حرج. ففي جلسة للبرلمان البوليفي عُقدت يوم الخميس الماضي، نشبت فوضى في أثناء مناقشة عقود لاستخراج الليثيوم مع شركات صينية وروسية، تبلغ قيمة استثماراتها نحو ملياري دولار.
وخلال الجلسة، تعرّض وزير الطاقة، أليخاندرو جاياردو، للرشق بالماء من قبل نواب معارضين، احتجاجًا على ما وصفوه بـ«غياب الشفافية» و«عدم ضمان الحقوق الوطنية» في تلك العقود.
وتحوّلت الجلسة إلى ساحة صراع سياسي، بعد أن قاطعها عدد من النواب المعارضين والمؤيدين للرئيس السابق إيفو موراليس، متّهمين الحكومة بإقصاء المجتمعات المحلية والتفريط في الثروات دون تحقيق مكاسب ملموسة للسكان.
تتزامن هذه الأحداث مع استعداد البلاد لخوض انتخابات رئاسية وبرلمانية في أغسطس المقبل، في ظل غياب اثنين من أبرز الوجوه السياسية: الرئيس الحالي لويس آرسي، الذي أعلن انسحابه، والرئيس السابق إيفو موراليس، الذي مُنع قانونيًا من الترشح.
ويُفاقم هذا الغياب من حالة الانقسام داخل حركة «نحو الاشتراكية»، ويهدد بتفكك تكتل اليسار الذي هيمن على البرلمان لعقود.
في هذا السياق المحتقن، تصبح البيئة السياسية والاجتماعية مهيّأة لتفجّر الشائعات، واستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتأجيج الانقسام وبث رسائل مضللة تحت ستار الأحداث الطارئة.
يكشف التدقيق البصري للمقطع عددًا من المؤشرات الدالة على تزييفه، حيث يظهر أشخاص فجأة من بين المقاعد، كذلك تنقسم شخصية بشكل غير منطقي إلى شخصين، ويسقط أفراد بطريقة غير طبيعية دون مؤثر حقيقي. وإلى جانب ذلك، لم تسجّل أي جهة رسمية في بوليفيا أو خارجها، أي هزة أرضية في البلاد خلال تلك الفترة.
وتؤكد بيانات هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية (USGS)، وكذلك تقارير من منصات لرصد الزلازل، خلوّ البلاد من أي نشاط زلزالي كبير في الأيام المحيطة بتاريخ الفيديو. كما لم تُسجّل السلطات المحلية أي وفيات أو أضرار بنيوية أو بلاغات طارئة إطلاقا.
وبحسب The Chenab Times، تندرج هذه الواقعة ضمن سلسلة متنامية من المقاطع الزائفة التي تُنتج باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، لمحاكاة كوارث أو مشاهد درامية تُثير التفاعل الجماهيري. وتُفتقر هذه المقاطع عمومًا إلى أبسط معايير التوثيق الصحفي: لا شهود، ولا بيانات رسمية، ولا تغطيات إخبارية موثوقة.
ويُحذّر خبراء في الإعلام الرقمي من أن هذه الظاهرة تنذر بموجة جديدة من التضليل البصري، تُعيد تعريف مفاهيم «الواقع» و«الخبر» في العصر الرقمي، وتضع تحديات غير مسبوقة أمام المؤسسات الإعلامية والجمهور معًا.