يونيو ٢٨, ٢٠٢٥
تابعنا
نبض
logo alelm
اتفاق سلام تاريخي يُنهي عقودًا من الصراع بين رواندا والكونغو

في خطوة تاريخية، وقعت رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، اليوم الجمعة، في واشنطن على اتفاق سلام بوساطة أمريكية، يهدف إلى وضع نهاية لأحدث فصول الصراع الدامي في شرق الكونغو، والذي تسبب في أزمة إنسانية كارثية. ويمثل هذا الاتفاق، الذي تم بحضور مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى، محاولة لربط وقف الأعمال العدائية بإطلاق استثمارات غربية ضخمة في المنطقة، مع تركيز خاص على الموارد المعدنية الهائلة التي تملكها الكونغو.

ويأتي التوقيع بعد مفاوضات مكثفة قادتها إدارة الرئيس دونالد ترامب، ويهدف إلى تنفيذ خارطة طريق عسكرية واقتصادية خلال 90 يومًا. ورغم أن هذا الاتفاق يمثل أفضل فرصة للسلام في الوقت الحالي بحسب المراقبين، إلا أنه يواجه تحديات كبيرة نظرًا لعمق وتعقيد الصراع بين رواندا والكونغو، والذي يتجاوز المصالح الاقتصادية ليشمل إرثًا طويلًا من التوترات العرقية والسياسية التي تمتد لعقود.ساحة لصراع إقليمي وأزمة إنسانية كبرى.

خارطة طريق أمنية واقتصادية لـ رواندا والكونغو

ينص الاتفاق الجديد، الذي جاء بعد تنازل الكونغو عن مطلبها بالانسحاب الفوري للقوات الرواندية، على بنود واضحة ومحددة زمنيًا. على الصعيد العسكري، يلتزم الطرفان بتنفيذ خطة لانسحاب القوات الرواندية من شرق الكونغو في غضون 90 يومًا، مع تشكيل آلية تنسيق أمني مشتركة في غضون 30 يومًا لمراقبة العملية. وفي المقابل، ستوقف الكونغو عملياتها العسكرية ضد ميليشيات FDLR خلال نفس الفترة.

أما على الصعيد الاقتصادي، وهو المحرك الرئيسي للدور الأمريكي، فسيتم إطلاق إطار للتكامل الاقتصادي الإقليمي في غضون 90 يومًا، يهدف إلى توسيع التجارة والاستثمار المرتبط بسلاسل توريد المعادن الحيوية. وقد كان الرئيس ترامب واضحًا بشأن المصالح الأمريكية، حيث صرح بأن الولايات المتحدة ستحصل على “الكثير من حقوق التعدين من الكونغو كجزء من الاتفاقية”.

رواندا والكونغو.. جذور الصراع المعقد 

منذ بداية العام، شنت حركة “إم 23” المسلحة، التي تتهم الأمم المتحدة والقوى الغربية رواندا بدعمها، هجومًا واسع النطاق سيطرت من خلاله على مساحات شاسعة من مقاطعتي شمال وجنوب كيفو، بما في ذلك مدن رئيسية مثل غوما وبوكافو، وهما مركزان حيويان لتهريب المعادن الثمينة.

وقد أدى هذا الهجوم إلى اندلاع قتال عنيف بين حركة “إم 23” والقوات المسلحة الرواندية من جهة، والجيش الكونغولي وحلفائه (بما في ذلك قوات من جنوب أفريقيا وبوروندي ومرتزقة أوروبيين) من جهة أخرى. وكانت النتيجة كارثية على الصعيد الإنساني، حيث قُتل آلاف الأشخاص، وفر ما بين 500 ألف و700 ألف شخص من ديارهم في شهر يناير وحده، مما يهدد بخروج إحدى أكبر الأزمات الإنسانية في العالم عن السيطرة، وسط انتشار للعنف الجنسي وارتفاع حاد في الإصابات بين المدنيين.

أما عن الجذور التاريخية للصراع فتمتد إلى الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994. ففي أعقاب تلك المأساة، فر أكثر من مليون شخص من الهوتو، بمن فيهم العديد من المتورطين في الإبادة، إلى شرق الكونغو (زائير آنذاك). هذا التدفق الهائل أدى إلى اندلاع حربين إقليميتين مدمرتين (1996-1997 و 1998-2003) تدخلت فيهما رواندا وأوغندا ودول أخرى، وأودت بحياة أكثر من ثلاثة ملايين شخص.

وعلى الرغم من توقيع اتفاقيات سلام لاحقًا، استمرت الاضطرابات. وفي عام 2012، ظهرت حركة “إم 23” المسلحة، التي يشير اسمها إلى اتفاق سلام سابق تم توقيعه في 23 مارس 2009 وتزعم أن حكومة الكونغو لم تحترمه. وتتألف الحركة في معظمها من أفراد من جماعة التوتسي العرقية، وتزعم أنها موجودة لحماية مجتمعاتها من الاضطهاد ومن فلول ميليشيات الهوتو التي لجأت إلى الكونغو. وبعد فترة من الخمول، عادت الحركة للظهور بقوة في عام 2021، لتشن هجومها الأخير بدعم مباشر من رواندا، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة.

وخلال العامين الماضيين، شنت الحركة هجومًا واسعًا سيطرت من خلاله على مدن استراتيجية مثل غوما وبوكافو، وأنشأت إدارة موازية في المناطق التي تحتلها، حيث تصدر تصاريح تعدين وتجني أرباحًا طائلة. وقد استخدمت الحركة أسلحة متطورة لم يسبق لها مثيل في شرق الكونغو، مثل الصواريخ المضادة للدبابات، مما يؤكد حجم الدعم الخارجي الذي تتلقاه. هذا التصعيد الأخير هو ما دفع إلى هذه الجولة الجديدة من الدبلوماسية المكثفة التي ترعاها الولايات المتحدة، في محاولة لإيجاد حل ينهي عقودًا من المعاناة في العلاقة بين الكونغو ورواندا.

الدور الأمريكي والشكوك المستقبلية

تلعب الولايات المتحدة دور “الأب الروحي” لهذا الاتفاق، بحسب وصف الخبراء، مما يضع على عاتقها مسؤولية ضمان التزام الطرفين ببنوده. ورغم التوقيع على الاتفاق الإطاري اليوم، لا يزال المسار طويلاً، حيث من المتوقع أن يصل رئيسا رواندا والكونغو إلى واشنطن خلال الأسابيع القليلة القادمة لوضع اللمسات النهائية.

كما يرتبط نجاح الاتفاق بشكل مباشر بتقدم المحادثات الموازية التي تجري في الدوحة بين حكومة الكونغو ومتمردي حركة “إم 23”. وبينما يرى البعض أن ربط السلام بالمصالح الاقتصادية قد يكون الحافز الأقوى لإنهاء القتال، يشكك آخرون في أن يكون هذا المنطق كافيًا لحل صراع معقد له جذور عرقية وتاريخية عميقة بين الكونغو ورواندا. ويبقى نجاح الاتفاق مرهونًا بمدى جدية الأطراف في تنفيذه، وقدرة الولايات المتحدة على ممارسة ضغوطها لضمان استمراره.

شارك هذا المنشور:

السابقة المقالة

ترامب يوقف محادثات التجارة مع كندا ويهدد برسوم جديدة