هدأت وتيرة القصف في صراع دام 12 يومًا بين إيران وإسرائيل، لكن مع انتهاء الضربات الجوية، بدأت معركة جديدة في طهران “إيران بعد الحرب”، حيث تواجه تحديات داخلية وخارجية قد تحدد مصير نظامها السياسي برمّته، في وقت يعيش فيه المرشد الأعلى علي خامنئي عزلة عميقة وسط انهيار في الثقة الأمنية، وانهيار اقتصادي، واحتقان شعبي متجدد.
وبعد أن ألحقت الضربات الجوية الإسرائيلية، مدعومة بالقنابل الخارقة للتحصينات الأمريكية، أضرارًا جسيمة بالبنية العسكرية والنوية الإيرانية، وتراجعت قدرات الحرس الثوري، وخسرت البلاد نخبة من قادتها، تتحرك إيران بعد الحرب بخطوات مترددة نحو إعادة بناء قوتها ومكانتها الإقليمية.
من أبرز تداعيات الحرب، تضرر الحرس الثوري الإيراني، الذي يُعدّ عماد النظام، وتحديدًا فيلق القدس، حيث كشفت الضربات الدقيقة عن مدى تغلغل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية داخل إيران، ما ولّد أزمة ثقة غير مسبوقة داخل النظام، وأجّج الحديث عن “تطهير داخلي” وشيك.
المهمة الملحة الآن أمام خامنئي، الذي لم يظهر سوى في مقطعي فيديو خلال الحرب، هي إعادة فرض الانضباط والولاء داخل أركان السلطة، ومع ذلك، يتساءل محللون: من سينفذ هذه المهمة في ظل انعدام الثقة بين القيادات؟ فكما قال الخبير حميد رضا عزيزي: “انعدام الثقة الحالي يشل أي قدرة على التخطيط أو الإصلاح”.
طوال العقدين الماضيين، اعتمدت إيران على ما يُعرف بـ”محور المقاومة” — شبكة من الحلفاء الإقليميين مثل حزب الله، والحوثيين، وميليشيات عراقية — لتوسيع نفوذها ولصدّ الهجمات بعيدًا عن أراضيها، لكن إيران بعد الحرب باتت ترى كيف فشل هذا المحور في منع وصول النيران الإسرائيلية إلى عمق أراضيها.
خيبة الأمل كانت مضاعفة بعد الغياب التام لأي دعم مباشر من الحلفاء الدوليين كروسيا والصين، مما سيدفع القيادة الإيرانية لمراجعة استراتيجياتها الخارجية.
رغم أن إيران تؤكد سلمية برنامجها النووي، فإن تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 60% جعلها على أعتاب القدرة على تصنيع قنبلة نووية، ومع تصاعد الضغوط الأمنية، قد تتجه القيادة إلى تسريع البرنامج بشكل سري، ما يجعل الملف النووي الإيراني مفتوحًا على احتمالات خطيرة، منها العودة إلى دائرة الاستهداف الإسرائيلي المتجدد، أو الانخراط في مفاوضات نووية جديدة طمعًا في تخفيف العقوبات.
لم تكن الحرب فقط في الجبهات الخارجية، فقد عمّقت الأزمة الاقتصادية الداخلية، وعطّلت المؤسسات المالية، وتسببت في تراجع الريال الإيراني إلى مستويات كارثية، حيث اقترب سعر صرفه من مليون ريال مقابل الدولار.
ويخشى مراقبون من أن يؤدي استمرار الضغوط الاقتصادية إلى موجة احتجاجات مشابهة لما حدث في 2019 و2022، خاصة مع عودة السكان إلى طهران، وتفاقم أزمة الكهرباء والماء، وتعطّل الخدمات الأساسية، هذا الواقع يكشف عن وجود أزمة معيشية حقيقية تمسّ كل بيت في إيران بعد الحرب.
رغم الظروف القمعية، لا تزال النساء الإيرانيات، والناشطات الحقوقيات، يواجهن النظام بتحدٍ سلمي، حيث دعت الكاتبة نرجس محمدي، المسجونة – الحائزة على نوبل – في رسالة مفتوحة إلى وقف الحرب، مؤكدة أن “السلام لا يولد من العنف”، مشيرة إلى أن إيران بعد الحرب بحاجة إلى تحول ديمقراطي لا إلى عسكرة جديدة.
ومع ذلك، يخشى كثيرون من تصاعد حملة القمع الأمني في ظل الانشغال بإعادة ترتيب أوراق السلطة، وهو ما قد يفتح الباب لجولات من القمع والاعتقالات تحت ذريعة الحفاظ على الأمن.
أحد الأسئلة الكبرى التي فرضت نفسها على إيران بعد الحرب هو: من سيخلف خامنئي؟ اللجنة الخاصة باختيار المرشد الجديد تدرس عدة أسماء، أبرزها نجل خامنئي، ومقربون من الحرس الثوري، ما يثير احتمالات تحول النظام نحو مزيد من الحكم العسكري.
ويحذر محللون من سيناريو انتقال السلطة من يد رجال الدين إلى قبضة الجنرالات، في سابقة قد تغيّر جوهر الجمهورية الإسلامية كما عرفها الإيرانيون منذ 1979.
ويرى المحللون أن إيران بعد الحرب ليست كما كانت قبلها، فقد تبددت أسطورة الحماية الأمنية، واهتزت ثقة الشارع، وتكشّفت هشاشة التحالفات الخارجية.
وبين خيار العودة إلى طاولة المفاوضات أو الاندفاع نحو عسكرة الدولة وبرنامج نووي أكثر عدوانية، تقف طهران أمام مفترق تاريخي سيكون له تأثير كبير داخليًا، إقليميًا، وربما عالميًا.
يمكنك أن تقرأ أيضًا:
إنفوجرافيك| تقييم استخباراتي أمريكي: نجاة برنامج إيران النووي