عادت التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز إلى الواجهة مرة أخرى، مع شن الهجمات الأمريكية على إيران مساء أمس السبت، في الوقت الذي تتعالى فيه الأصوات المتشددة في طهران مطالبة برد حاسم.
ويتزايد القلق الدولي من تداعيات توسّع الحرب في الشرق الأوسط خصوصًا مع تدخل الولايات المتحدة بشكل مباشر في الصراع، والتي ربما تؤثر على حركة الملاحة في الممرات الملاحية المهمة في المنطقة مثل مضيق هرمز.
لفهم حجم التهديد، لا بد من إدراك الأهمية الاستراتيجية الفائقة لمضيق هرمز. إذ يربط هذا الممر المائي الضيق، الذي لا يتجاوز عرضه 21 ميلًا في أضيق نقاطه، بين الخليج العربي وخليج عُمان ومنه إلى بحر العرب. وهو ليس مجرد ممر، بل هو الشريان الذي يمر عبره ما بين 20% إلى 26% من إجمالي تجارة النفط العالمية، أي ما يقارب 20 مليون برميل يوميًا.
وتعتمد اقتصادات دول الخليج الكبرى بشكل شبه كلي على هذا المضيق لتصدير نفطها؛ فالمملكة العربية السعودية تصدر عبره حوالي 88% من نفطها، والعراق 98%، والإمارات 50%، بالإضافة إلى كامل صادرات الكويت وقطر. والأمر لا يقتصر على النفط، فالمضيق هو الطريق الحصري لصادرات الغاز الطبيعي المسال من قطر، أكبر مُصدّر له في العالم، والتي تمثل وحدها ربع استهلاك الغاز العالمي. أي تعطيل لهذا الممر، ولو لفترة قصيرة، يعني صدمة مباشرة لـ أسعار النفط واضطرابًا عنيفًا في أمن الطاقة العالمي.
على مر السنين، قامت إيران ببناء ترسانة عسكرية ضخمة ومتنوعة تبدو مصممة خصيصًا لمهمة تعطيل الملاحة في مضيق هرمز. ورغم أن “إغلاق” المضيق بالكامل أمر شبه مستحيل، إلا أن إيران تمتلك القدرة على جعله ممرًا شديد الخطورة وغير قابل للاستخدام التجاري عبر عدة تكتيكات وهي:
يُعد هذا الخيار الأكثر إلحاحًا، حيث يمكن لأسطول الحرس الثوري الإيراني الواسع من الزوارق السريعة، بالإضافة إلى الغواصات القزمة، زرع مئات الألغام البحرية بسرعة، مما يجعل إزالتها عملية شاقة وخطيرة تستغرق أسابيع أو حتى أشهر.
تمتلك إيران مجموعة هائلة من صواريخ كروز والصواريخ الباليستية المضادة للسفن التي يمكن إطلاقها من منصات ساحلية متنقلة، بالإضافة إلى الطائرات المسيرة الانتحارية. إن ضيق المضيق يجعله منطقة اشتباك مثالية لهذه الأسلحة، حيث تكون قدرة السفن الكبيرة على المناورة محدودة للغاية.
أظهرت إيران في السابق قدرتها على استخدام فرق كوماندوز على متن قوارب صغيرة لزرع ألغام لاصقة مباشرة على هياكل السفن، أو الصعود إليها واحتجازها. كما أن سفنها الحربية وزوارقها السريعة مسلحة بالطوربيدات والصواريخ، وتتدرب باستمرار على “تكتيكات الأسراب” للتغلب على دفاعات السفن الحربية المعادية.
تُعتبر إيران، إلى جانب حلفائها الحوثيين، من رواد استخدام القوارب المسيرة الانتحارية، والتي أثبتت فعاليتها في الحرب الأوكرانية، وهي تشكل تهديدًا حقيقيًا للسفن التجارية والعسكرية على حد سواء.
لا تعتبر فكرة استهداف الملاحة في الخليج جديدة. فخلال الحرب الإيرانية- العراقية في الثمانينيات، اندلعت ما عُرفت بـ “حرب الناقلات”، حيث هاجم الطرفان ناقلات النفط لتعطيل اقتصادات بعضهما البعض. وقد استهدفت إيران حينها ناقلات النفط الخليجية بسبب دعم دول الخليج للعراق، وتم استهداف حوالي 450 سفينة إجمالاً، مما أثار رد فعل عسكري أمريكي قوي لحماية الملاحة. هذه التجربة التاريخية تدركها إيران جيدًا، وتعي أنها ستواجه ردًا دوليًا عنيفًا إذا كررت السيناريو.
ورغم التهديدات المتكررة، يرى محللون أن قرار إغلاق المضيق سيكون بمثابة “انتحار اقتصادي وسياسي” لإيران، وذلك لعدة أسباب:
الرد العسكري الدولي.. أي محاولة لإغلاق المضيق ستؤدي حتمًا إلى تدخل عسكري واسع النطاق تقوده الولايات المتحدة لإعادة فتحه بالقوة، وهو ما قد يتجاوز مجرد تأمين الممرات المائية إلى استهداف مباشر للبنية التحتية العسكرية الإيرانية التي تهدد الملاحة.
الأضرار الاقتصادية على إيران نفسها.. تعتمد إيران أيضًا على المضيق لتصدير نفطها واستيراد مواد حيوية، بما في ذلك المواد الكيميائية التي تستخدمها في برامج صواريخها.
غضب الحلفاء والشركاء.. ستؤدي هذه الخطوة إلى استعداء شركاء إيران الأجانب، وخاصة الصين، أكبر مشترٍ للنفط الإيراني والخليجي. فبكين “لا ترغب في أي انقطاع لتدفق النفط.. وستستخدم كل قوتها الاقتصادية للضغط على إيران”، بحسب الخبيرة إيلين والد. ويضيف الخبير أنس الحاجي: “سيعاني أصدقاؤهم أكثر من أعدائهم.. لذا من الصعب جدًا توقع حدوث ذلك”.
في أعقاب الهجمات الأمريكية على إيران، عادت التهديدات الخاصة بإغلاق مضيق هرمز إلى الواجهة بقوة. فقد صرح مسؤولون برلمانيون إيرانيون، مثل إسماعيل كوثري، بأن إغلاق المضيق قيد الدراسة الجدية كرد على الضربة الأمريكية على إيران. لكن في المقابل، تؤكد هيئات أمنية بحرية دولية، مثل مكتب عمليات التجارة البحرية في المملكة المتحدة (UKMTO)، أن المضيق “لا يزال مفتوحًا” وحركة الملاحة “تتدفق دون انقطاع”، مع الإقرار بوجود توترات عالية.
وكانت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “مهر”، نقلت عن أعضاء في البرلمان الإيراني يوم الخميس الماضي تصريحات تتعلق باستخدام مضيق هرمز للرد على الهجمات الإسرائيلية على طهران، إذ قال علي يزديخاه، وهو عضو بارز في البرلمان الإيراني، “إذا دخلت الولايات المتحدة رسميًا وعمليا الحرب دعما للصهاينة (الكيان المحتل)، فهذا حق مشروع لإيران في ضوء الضغط على الولايات المتحدة والدول الغربية لتعطيل سهولة عبور تجارتها النفطية”.كما نقلت عن بهنام سعيدي، عضو هيئة رئاسة لجنة الأمن القومي في البرلمان، قوله: “لدى إيران خيارات عديدة للرد على أعدائها. إغلاق مضيق هرمز أحد الخيارات المحتملة”.
ويترقب العالم حاليًا ما إذا كان حجم الضربة الأمريكية على إيران سيدفع النظام في طهران، الذي قد يشعر بأن وجوده في خطر، إلى اتخاذ تدابير متطرفة وغير محسوبة. مع العلم بأن مجرد محاولة إيران تنفيذ تهديدها ستؤدي إلى تداعيات عالمية هائلة، حتى لو لم يغلق المضيق بالكامل، وهو ما يفسر حالة التأهب القصوى في أسواق الطاقة العالمية.