تستضيف المملكة العربية السعودية منذ الأول من أكتوبر مؤتمر ميونخ للأمن 2025 في محافظة العلا، بمشاركة أكثر من 100 شخصية عالمية رفيعة المستوى من القيادات وصنّاع القرار والخبراء الدوليين. ويأتي انعقاد المؤتمر في “مدينة التاريخ والمستقبل” لمناقشة أبرز القضايا الجيوسياسية والاقتصادية في المنطقة، وفي مقدمتها الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، والانتقال السياسي في سوريا، والأمن النووي، وأمن البحر الأحمر، إلى جانب ملفات الأمن الاقتصادي.
ويركز المؤتمر يركز على كيفية تحسين الوضع الأمني والمساهمه في السلام والاستقرار من خلال الحوار، ويبحث المشاركون تاثير اضطرابات التجارة العالمية والأزمات الإقليمية التحول في مجله الطاقه على اقتصادات الشرق الأوسط ومدى تأثير سياسات الرسوم الجمركيه الأمريكيه على المنطقة.
يقول عضو مجلس الشورىن فضل البوعينين، إن المملكة أصبحت اليوم فاعلًا رئيسيًا في الجانبين السياسي والاقتصادي، ومؤثرة في محيطها الإقليمي والدولي، كما أنها باتت تحتضن العديد من المؤتمرات العالمية التي تدعم توجه القيادة السعودية نحو تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة. المملكة اليوم هي مركز ثقل المنطقة، وجميع زعماء العالم يأتون إليها، سواء في زيارات خاصة أو عبر المشاركة في المؤتمرات الدولية.
وأضاف خلال مداخلة في برنامج “هنا الرياض” المذاع على قناة الإخبارية، أن مدينة العلا تحمل أهمية خاصة باعتبارها واحدة من أبرز الوجهات السياحية السعودية ذات العمق التاريخي والثقافي. ومن خلال استضافة المؤتمر، ترغب المملكة في توجيه رسالة للعالم مفادها أن العمق التاريخي والثقافي يشكّل أساساً يمكن البناء عليه لتطوير العلاقات السياسية والاقتصادية، بما يساهم في تحقيق أمن واستقرار المنطقة.
أشار البوعينين إلى أن الأمن يُعد القاعدة الأساسية للتبادلات التجارية، والعلاقات الاقتصادية، والتدفقات الاستثمارية. ومن غير الممكن قيام اقتصاد قوي أو تحقيق نمو اقتصادي عالمي مستدام في ظل غياب الأمن والاستقرار في مختلف دول العالم.
وتابع: “عند النظر إلى منطقة الشرق الأوسط، يبرز البحر الأحمر بوصفه مثالًا على التحديات الأمنية التي تنعكس مباشرة على التجارة الدولية. فقد شهدت الممرات البحرية هناك اضطرابات حقيقية دفعت العديد من سفن النقل البحري إلى تحويل مسارها من البحر الأحمر إلى الخليج العربي. هذه التحولات ارتبطت بمخاطر استهداف ناقلات النفط والبضائع، وهو ما ترك أثراً سلبياً مباشراً على سلاسل الإمداد العالمية”.
وإذا وسّعنا النظرة إلى مناطق أخرى مثل روسيا وأوكرانيا، نجد أن الحرب الدائرة بين البلدين شكلت أيضًا خطرًا كبيرًا على سلاسل الإمداد الدولية. ويقود هذا المشهد إلى محور أساسي وهو مستقبل الاقتصاد العالمي، وإمكانية حدوث أزمة عالمية إذا استمرت مثل هذه الملفات الملتهبة دون حلول جذرية.
ويؤكد الخبراء أن الأمن يظل الركيزة الأساسية لأي نظام اقتصادي مستقر. فإذا لم تتم معالجة هذه التحديات الأمنية، فلن يكون هناك اقتصاد قادر على ضمان الاستقرار أو جذب الاستثمارات أو بناء شراكات طويلة المدى. بل إن التوقعات تشير إلى احتمال حدوث أزمة مالية عالمية كبرى إذا استمرت هذه المخاطر، على غرار ما حدث خلال جائحة كورونا التي أثّرت بشكل بالغ على سلاسل الإمداد العالمية. فالحروب، القلاقل، واستهداف السفن – سواء ناقلات النفط أو غيرها – كلها عوامل تُلقي بظلال سلبية على الاقتصاد العالمي، بما ينعكس على جميع دول العالم وليس فقط دول المنطقة.
للمرة الأولى في تاريخ الشرق الأوسط، تُعقد اجتماعات مؤتمر ميونخ للأمن في مدينة العلا السعودية خلال الفترة من الثلاثين من سبتمبر وحتى الثاني من أكتوبر 2025. ويشارك في المؤتمر أكثر من 100 شخصية رفيعة المستوى من كبار صنّاع القرار السياسي بالمنطقة، إضافة إلى نخبة من الخبراء الدوليين.
ويحمل المؤتمر تاريخًا طويلًا وعريقًا؛ فقد تأسس عام 1963 بمبادرة من ناشر ألماني، وكان يُعرف آنذاك باسم “مؤتمر العلوم الدفاعية”. جاءت فكرة المؤتمر في سياق الحرب الباردة، حيث كانت هناك حاجة ملحّة لتعزيز الحوار بين الدول الغربية، خصوصاً أعضاء حلف شمال الأطلسي، في مواجهة التحديات الأمنية التي فرضها الاتحاد السوفيتي آنذاك.
وخلال دوراته الأولى، ركّز مؤتمر ميونخ على قضايا الدفاع العسكري والاستراتيجيات الغربية المشتركة، مع التأكيد على التعاون الوثيق مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية. وتركّزت النقاشات حينها على ملفات مثل التوازن النووي، والدفاع الجماعي، والعلاقات مع الاتحاد السوفيتي.
ومع حلول الثمانينيات، بدأ المؤتمر في توسيع أجندته لتشمل نقاشات أوسع حول السياسة الخارجية، وأصبح منصة للحوار بين الدول الغربية ودول أخرى. وفي التسعينيات، ومع مرحلة ما بعد الحرب الباردة، تغيّرت طبيعة المؤتمر لتعكس التحولات الجيوسياسية الجديدة، حيث بدأ في مناقشة قضايا متنوعة مثل التوسع الأوروبي، والصراعات الإقليمية، والأمن السيبراني.
وفي عام 1993، أُعيدت تسمية المؤتمر رسميًا ليصبح “مؤتمر ميونخ للأمن”، في دلالة على طابعه الدولي المتنامي. ومع مطلع القرن الجديد، تحول المؤتمر إلى منصة عالمية تستقطب القادة من مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط، ليتبوأ مكانته كإحدى أبرز الفعاليات الدولية المعنية بمناقشة القضايا الأمنية والجيوسياسية والاقتصادية التي تمس العالم بأسره.
اقرأ أيضًا:
مؤتمر ميونخ للأمن 2024.. مخاوف الاقتصادات الكبرى
صور| 50 عامًا على عملية ميونخ.. ماذا حدث في القرية الأولمبية؟
إنفوجرافيك| نقاط بارزة في كلمة وزير البلديات في المؤتمر الصحفي الحكومي