شهدت أعمال مؤتمر الأمم المتحدة الهادف إلى التوصل لتسوية سلمية للقضية الفلسطينية وتطبيق حل الدولتين، إجماعًا دوليًا واسعًا على ضرورة التحرك الفوري لإنهاء الأزمة الإنسانية في قطاع غزة وتفعيل مسار سياسي واضح قائم على قرارات الشرعية الدولية.
وفي كلمته الافتتاحية، ثمّن وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عزم بلاده الاعتراف بدولة فلسطين، مؤكدًا أن تحقيق الاستقرار في المنطقة يبدأ بمنح الشعب الفلسطيني حقوقه. وشدد بن فرحان على أن الكارثة الإنسانية الناجمة عن الانتهاكات الإسرائيلية يجب أن تتوقف فوراً، معتبراً أن المؤتمر يمثل محطة مفصلية نحو تفعيل حل الدولتين وإنهاء الاحتلال.
وأعاد بن فرحان التأكيد على أن مبادرة السلام العربية تظل هي الأساس الجامع لأي حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية. كما جدد دعم المملكة الكامل للجهود المصرية والقطرية والأمريكية لإعادة تفعيل وقف إطلاق النار بغزة، ورفضها لأي محاولات لفصل قطاع غزة عن الأراضي الفلسطينية أو تهجير سكانه. وأشار إلى أن السعودية وفرنسا عازمتان على تحويل التوافق الدولي بشأن حل الدولتين إلى واقع ملموس، معتبرًا أن انخراط الولايات المتحدة، وخصوصًا الرئيس ترمب، من شأنه تحقيق السلام في غزة. وأكد الوزير أنه لا مصداقية ولا مبرر لأي حديث عن التطبيع في ظل الحرب والقتل في قطاع غزة، وأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية كان واجبًا منذ زمن بعيد ولا يجوز ربطه بالفيتو الإسرائيلي، مشدداً على أن السلطة الفلسطينية يجب أن تكون الممثل الواحد للشعب الفلسطيني.
من جهته، أكد وزير الخارجية الفرنسي أن هذا المؤتمر يجب أن يكون نقطة تحول حقيقية لتنفيذ حل الدولتين، معتبراً أنه لا يمكن القبول باستهداف الأطفال والنساء بينما يسعون للحصول على المساعدات. وأوضح أن الوضع في غزة يفوق التصور، وأن الهدف هو الانتقال من نهاية الحرب على غزة إلى إنهاء النزاع الإسرائيلي الفلسطيني بالكامل. وأشار إلى أن فرنسا أطلقت زخمًا لا يمكن إيقافه من أجل الوصول لحل سياسي، وأن النزاع الحالي والمعاناة يجب أن يتوقفا عبر البدء بوقف إطلاق نار دائم في غزة.
وكشف أن المؤتمر الذي جمع 125 دولة، 50 منها ممثلة على مستوى وزاري، هو خطوة حاسمة في طريق حل الدولتين، وستكون هناك رؤية مشتركة سيتم تبنيها بشأن مستقبل غزة بعده. وأوضح أن إعلان ماكرون اعتزام فرنسا الاعتراف بدولة فلسطين سببه أنه لم يعد هناك أي مجال للانتظار، وأن فرنسا ستسعى لإقناع الشركاء المترددين بهذه الخطوة، التي يهدف المؤتمر للحصول على تعهدات بشأنها من دول أوروبية أخرى.
بدوره، حذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، من أن النزاع الحالي يزعزع استقرار المنطقة والعالم بأسره، وأن إنهاءه يتطلب إرادة سياسية حقيقية. ووصف الوضع بأنه وصل إلى حافة الانهيار، وأن حل الدولتين أصبح أبعد من أي وقت مضى. وأكد غوتيريش أنه لا شيء يبرر إبادة غزة التي جرت أمام أعين العالم، وأن تدمير غزة بالجملة أمر لا يحتمل ويجب أن يتوقف فورًا.
كما شدد على أن عملية ضم الضفة الغربية من قبل السلطات الإسرائيلية يجب أن تتوقف، وأن تجويع السكان وقتل عشرات آلاف المدنيين وتصاعد عنف المستوطنين والتهجير القسري هي أمور ينبغي أن تتوقف. وقال إن هذا المؤتمر الدولي يجب أن يشكل نقطة تحول لإنهاء الاحتلال وتحقيق حل الدولتين، وأن الضم التدريجي للضفة الغربية المحتلة غير قانوني ويجب أن يتوقف، وأن التدمير الشامل لغزة أمر لا يطاق وينبغي أن يتوقف.
وأضاف أن الأعمال أحادية الجانب التي من شأنها تقويض حل الدولتين إلى الأبد غير مقبولة وينبغي أن تتوقف، مؤكداً أن تحقيق سلام عادل للفلسطينيين والإسرائيليين يكون عبر دولتين مستقلتين تتمتعان بالسيادة والاعتراف. وحذر غوتيريش من أن هذا المؤتمر لا يجب أن يصبح مجرد تمرين آخر في الخطابة ذات النوايا الحسنة، مؤكداً أن حل الدولتين هو الإطار الوحيد المتجذر في القانون الدولي الذي أقرته الجمعية العامة والمدعوم دوليًا.
وقد شهد المؤتمر زخمًا دوليًا واسعًا، حيث أكد وزير الدولة بوزارة الخارجية القطرية أن دولة قطر تسعى لتعزيز مفاهيم السلم والعدل من خلال ثقافة الحوار والتعايش، وأن سرديات السلام يجب أن تكون متوافقة مع مبادئ القانون الدولي وحل الدولتين، مشددًا على ضرورة بناء الثقة واتخاذ قرارات حازمة ضد خطاب الكراهية، معربًا عن أمله في أن يساهم المؤتمر في دعم قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 67.
من جانبها، أكدت وزيرة الخارجية الكندية أن حل الدولتين هو المسار الوحيد لتحقيق السلام، وأن بلادها تقود مع قطر والمكسيك مجموعة عمل تهدف لوضع إطار شامل يسعى لتحقيق التعايش. أما وزير الخارجية النرويجي، فقد أعلن وقوف بلاده إلى جانب فلسطين على المدى الطويل وزيادة مساعداتها المالية، مؤكدًا أنه عندما يُحرم شعب من الوصول إلى الخدمات الأساسية، يجب على المجتمع الدولي أن يتحرك. وبدوره، طالب المستشار الألماني إسرائيل بالعمل على تحسين الأوضاع الإنسانية في غزة على وجه السرعة، مشدداً على أنه لا يجوز حدوث أي عمليات تهجير إضافية من قطاع غزة، ومطالباً بوقف شامل لإطلاق النار وليس هدنة مؤقتة.