يتشكل واقع أمني وسياسي فريد من نوعه، في محافظة السويداء جنوبي سوريا، ذات الغالبية الدرزية، حيث تملأ مجموعة من الفصائل المسلحة المحلية فراغًا تركته مؤسسات الدولة التي تراجع نفوذها بشكل كبير خلال سنوات الحرب الأهلية.
تتنوع هذه الفصائل في ولاءاتها وأهدافها، وأصبحت اللاعب الرئيسي في تحديد مصير المحافظة، سواء في الدفاع عن خصوصيتها أو في الانخراط بالصراعات الداخلية التي كان آخرها وأشدها الاشتباكات الدامية التي اندلعت في منتصف يوليو 2025 بين فصائل درزية محلية ومجموعات من العشائر البدوية.
ظهرت النواة الأولى لهذه الفصائل مع بداية الحرب السورية، كقوة محلية تهدف إلى حماية “جبل العرب” من تمدد التنظيمات المتطرفة مثل تنظيم “الدولة الإسلامية”، ورفض تجنيد أبناء المحافظة قسراً في الجيش السوري للقتال خارج مناطقهم، ومع مرور الوقت، تحولت هذه القوى إلى جزء لا يتجزأ من المشهد العام، تتولى مهام أمنية وتفرض سلطة أمر واقع في مناطق نفوذها.
لكن الأسابيع الأخيرة شهدت تحولاً خطيرًا، إذ انفجر الوضع على خلفية عمليات خطف وسلب متبادلة بين مجموعات محسوبة على الطرفين الدرزي والبدوي، لتتطور سريعًا إلى مواجهات مسلحة عنيفة، خاصة في ريف السويداء الغربي ومحيط المدينة، ما أسفر عن سقوط عشرات الضحايا وحركة نزوح واسعة.
تُعد حركة “رجال الكرامة” الفصيل الأبرز والأقدم في السويداء، إذ تأسست في عام 2013 تقريبًا على يد الشيخ الراحل وحيد البلعوس، الذي اغتيل في تفجير غامض عام 2015.
تتبنى الحركة موقفًا مناهضًا للنظام السوري، لكن أولويتها القصوى كانت دائمًا حماية المجتمع الدرزي، وبعد رحيل البلعوس، استمرت الحركة بقيادة مجلس مشايخ، مؤكدة رفضها تسليم السلاح إلا في إطار حل سياسي شامل يضمن أمن المحافظة.
وإلى جانبها، برز “تجمع أحرار جبل العرب”، الذي تأسس في السنوات الأخيرة بقيادة سليمان عبد الباقي.
يُعرف هذا الفصيل بموقفه المناهض للنظام ودعمه للحراك الشعبي والاحتجاجات التي تطالب بالتغيير السياسي وتطبيق القرار الأممي 2254.
وفي النزاع الأخير، حاول التجمع لعب دور في التهدئة ورفض أي تدخل خارجي، مشكلاً قناة تواصل بين المرجعيات الدينية والحكومة السورية المؤقتة.
على الطرف الآخر من المعادلة، توجد فصائل أكثر إثارة للجدل، من بينها ما يعرف بـ “قوات مكافحة الإرهاب”، وهي الذراع العسكري لـ”حزب اللواء السوري”.
يروج هذا الفصيل بشكل علني لمفاهيم الحكم الذاتي الموسع أو الانفصال، ويُتهم بالسعي لجلب دعم خارجي، وهو ما يثير حفيظة قوى محلية أخرى تفضل الحفاظ على وحدة الأراضي السورية.
كما يظهر اسم “حركة شيخ الكرامة”، التي يُقال إنها انشقت عن “رجال الكرامة” وتتبنى موقفًا أكثر مرونة تجاه دمشق.
وخلال الأزمة الأخيرة، دعمت هذه الحركة جهود الحكومة لفرض التهدئة وحصر السلاح بيد الدولة، وهو ما عرضها لهجمات من فصائل أخرى رافضة لهذا التوجه.
ويضاف إلى هذا المشهد المعقد ما يُشار إليه بـ “المجلس العسكري”، وهو تجمع لفصائل صغيرة يُعتقد أن غالبيتها كانت رديفة للنظام في السابق، ويُتهم بالضلوع في تأجيج الصراعات البينية وتبادل عمليات الخطف.
ومع تصاعد الاشتباكات الأخيرة، تدخلت الحكومة السورية وقوى دولية للضغط من أجل وقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه مؤخرًا، ورغم الهدوء الحذر الذي يسود السويداء حاليًا، مع وصول قوافل طبية حكومية وانتشار محدود لقوات الأمن على مشارفها، لا يزال التوتر قائمًا.