كسر المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، صمته للمرة الأولى منذ دخول وقف إطلاق النار بين إيران والاحتلال حيز التنفيذ، ليقدم رواية متحدية للصراع الذي استمر 12 يومًا.
وفي مسجل بثه التلفزيون الرسمي الإيراني اليوم، الخميس، والذي انتظرته الأوساط السياسية، أكد خامنئي أن طهران وجهت “صفعة على وجه أمريكا” عبر هجومها على قاعدة أمريكية في قطر، ومتوعدًا برد قاسٍ في حال وقوع أي عدوان مستقبلي. وظهر المرشد الأعلى، البالغ من العمر 86 عامًا، في أول إطلالة له منذ 19 يونيو، وبدا عليه الإرهاق بصوت أجش وكلمات متعثرة أحيانًا، لكن رسالته كانت مليئة بلغة القوة والتهديد. جاء هذا الظهور بعد أيام من التوتر العسكري الذي انتهى مؤقتًا بفضل الهدنة بين إيران والاحتلال التي توسطت فيها الولايات المتحدة.
ركز خطاب خامنئي، الذي تجاوز العشر دقائق، على التقليل من شأن الضربات الأمريكية والإسرائيلية التي استهدفت البرنامج النووي الإيراني، واصفًا تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول “تدمير البرنامج لنووي بالكامل” بأنها “مبالغات”. وأصر المرشد الأعلى على أن “العدو لم يتمكن من تحقيق أي شيء مهم”. في المقابل، اعتبر خامنئي أن الضربة الإيرانية على القاعدة الأمريكية في قطر كانت بالغة الأهمية، لأنها أثبتت أن طهران “لديها إمكانية الوصول إلى مراكز أمريكية مهمة في المنطقة”.
كما وجه خامنئي اتهامًا مباشرًا لواشنطن، معتبرًا أنها لم تتدخل في الحرب إلا لإنقاذ “النظام الصهيوني من دمار كامل”، مؤكدًا أنها “لم تكسب شيئًا” من هذا التدخل. واختتم رسالته بتأكيد أن الجمهورية الإسلامية “انتصرت”، وأن “هذا الإجراء يمكن أن يتكرر في المستقبل”، في تهديد واضح بأن الهدنة بين إيران والاحتلال قد لا تكون نهاية المطاف.
تأتي تصريحات خامنئي لتتناقض مع تقييمات جهات دولية وحتى مسؤولين إيرانيين. فقد أكد المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، اليوم الخميس، أن الأضرار التي لحقت بالمنشآت النووية الإيرانية “كبيرة للغاية”، وإن لم تصل إلى حد “الإبادة”. هذا التقييم يدعمه اعتراف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، يوم الأربعاء، بأن “المنشآت النووية تضررت بشدة”. ما يرسم المزيد من الشكوك حول طبيعة الهدنة.
وبينما تحاول الحياة العودة تدريجيًا إلى طبيعتها في طهران مع إعادة فتح المجال الجوي جزئيًا وعودة المتاجر للعمل، يبقى المستقبل السياسي والعسكري غامضًا. ففي الوقت الذي يتحدث فيه ترامب عن محادثات أمريكية-إيرانية مرتقبة الأسبوع المقبل، وهو ما لم تؤكده طهران، يصوّت البرلمان الإيراني على تسريع مقترح من شأنه وقف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. هذا التصعيد السياسي، إلى جانب خطاب خامنئي المتحدي، يضع عقبات كبيرة أمام أي جهود دبلوماسية ويهدد بتقويض أسس الهدنة بين إيران والاحتلال الهشة، التي جاءت بعد خسائر بشرية كبيرة قدرت بأكثر من 600 قتيل إيراني رسميًا، وما يزيد عن ألف قتيل بحسب منظمات حقوقية.