أشعل قرار السلطات السورية الجديدة الإفراج عن عشرات الضباط والجنود المحسوبين على نظام بشار الأسد السابق، عاصفة من الجدل والانتقادات على منصات التواصل الاجتماعي خلال الساعات الماضية.
وأعادت هذه الخطوة طرح تساؤلات معقدة حول مسار العدالة الانتقالية في سوريا ما بعد الحرب، والموازنة الصعبة بين متطلبات المحاسبة، والمصالح الوطنية، وحقوق ضحايا الصراع الطويل.
في مواجهة ردود الفعل الغاضبة، قدمت الجهات الرسمية تبريرين رئيسيين للقرار. فمن الناحية القانونية، أكد عضو “اللجنة العليا للسلم الأهلي والعدالة”، حسن صوفان، في مؤتمر صحفي عُقد يوم أمس الثلاثاء، بدمشق، أن التحقيقات لم تثبت تورط المفرج عنهم المباشر في “جرائم حرب”، موضحًا أن مفهوم العدالة الانتقالية يستهدف “محاسبة كبار المجرمين الذين نفذوا جرائم وانتهاكات جسيمة” وليس كل من خدم في مؤسسات النظام السابق. وأشار إلى أن بقاءهم في السجن “لا يحقق مصلحة وطنية وليس له مشروعية قانونية”، موضحًا أن هؤلاء الضباط كانوا قد سلموا أنفسهم طوعًا منذ عام 2021 ضمن ما عُرف بـ”حالة الاستئمان”.
أما من الناحية الأمنية، فقد كشفت مصادر مطلعة عن بُعد استراتيجي آخر للقرار. ونقل الباحث السياسي مؤيد غزلان عن مصدر أمني أن هؤلاء الأفراد، الذين لا تتجاوز نسبتهم 2% من إجمالي المتورطين المقدرين بنحو 40 ألف شخص، قدموا معلومات استخباراتية حاسمة أدت إلى إحباط نزاع مسلح محتمل خلال أحداث الساحل ودمشق في مارس الماضي، وساهمت في كشف مئات المتورطين الآخرين.
رغم هذه المبررات، يرى المحلل مؤيد غزلان أن موجة الغضب الشعبي لم تنبع من القرار بحد ذاته بقدر ما نجمت عن “غياب الشفافية” في التعامل مع هذا الملف الشديد الحساسية. وأوضح في مداخلة مع قناة “العربية” أن عدم وجود آلية إعلامية واضحة تشرح للسوريين، وخاصة عائلات الضحايا والمفقودين، تفاصيل التحقيقات ومبررات القرارات قبل اتخاذها، هو ما أذكى الجدل. وأشار إلى ظهور مطالبات اليوم بإنشاء لجنة قانونية مستقلة لمراقبة عمل لجنة السلم الأهلي، وقناة إعلامية للتواصل المباشر والشفاف مع الشعب.
وتأتي هذه الحادثة لتسلط الضوء على حجم التحدي الذي تواجهه السلطات الجديدة. فقد كشف المتحدث باسم وزارة الداخلية، نور الدين البابا، أن نحو “450 ألف شخص انخرطوا في القتال مع ميليشيات النظام البائد”، وأن “123 ألف منتسب لوزارة الداخلية في زمن النظام الساقط كثير منهم تورط بجرائم ضد الشعب”. وحذر البابا من أن “الكثير من الدول المعادية لسوريا تسعى لضرب السلم الأهلي” عبر استغلال مثل هذه القضايا.
يُذكر أنه منذ سقوط النظام في 8 ديسمبر الماضي، تتبع السلطات الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع مسارًا مزدوجًا، يجمع بين دعوة العناصر غير المتورطة بجرائم جسيمة إلى تسليم أسلحتها في “مراكز المصالحة”، وبين تنفيذ حملات أمنية لملاحقة المتهمين بارتكاب جرائم حرب، وهو ما يعكس تعقيد بناء السلام والعدالة في مرحلة ما بعد الصراع.