يغيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن مشهد الوساطة الدولية، في وقت تشهد فيه منطقة كشمير تصعيدًا عسكريًا هو الأخطر منذ سنوات بين الهند وباكستان، واكتفى مكتفيًا بتصريحات مقتضبة تعكس حذرًا سياسيًا غير معتاد، مقارنة بأسلافه في البيت الأبيض.
وبينما تتسابق القوى الكبرى لتحديد مواقفها من النزاع، يبدو أن واشنطن قررت هذه المرة اتباع سياسة “الصمت المحسوب”، في ظل رئاسة ترامب الثانية، مما يطرح تساؤلات جدية حول أسباب هذا التوجه المفاجئ، خاصة أن للولايات المتحدة علاقات وثيقة مع كل من نيودلهي وإسلام آباد.
“ترامب” يتبع نهج الصمت الاستراتيجي
اكتفى “ترامب” بتصريح مقتضب عن الأزمة الهندية الباكستانية قال فيه: “على الطرفين تحمل مسؤولية أفعالهما.. لن نتدخل في صراعات الآخرين”، في إشارة واضحة إلى تفضيله الابتعاد عن المشكلة.
ويعتبر هذا الموقف مختلفًا تمامًا عن مواقف رؤساء أميركيين سابقين مثل باراك أوباما وجورج بوش، الذين مارسوا ضغوطًا دبلوماسية واسعة خلال أزمات مشابهة في كشمير، للحؤول دون اندلاع حرب شاملة.
وكتب كبير المراسلين لدى شبكة “CNN” والمختص بسياسات البيت الأبيض، ستيفن كولينسون، تحليلًا أوضح فيه أسباب تفضيل “ترامب” عدم الانخراط في الأزمة، والتي جاءت على النحو التالي:
- الشأن الداخلي أولوية لدى “ترامب”: منذ بدء ولايته الثانية، تبنّى الرئيس الأمريكي خطابًا قوميًا أكثر تشددًا، يركز على الاقتصاد الأميركي، وضبط الهجرة، واستعادة السيطرة على الحدود؛ لذا فإن النزاع في جنوب آسيا لا يتصدر قائمة أولوياته.
- إعادة تعريف دور أمريكا العالمي: يؤمن رئيس أمريكا الحالي بمبدأ “أميركا أولًا” بمعناه الحرفي، وهو ما يعني التقليل من التدخلات الخارجية، خاصة في مناطق يرى أنها لا تُهدد الأمن القومي الأميركي المباشر، ومنطقة كشمير، رغم حساسيتها، ليست ضمن هذا النطاق من وجهة نظر الإدارة الحالية.
- التوازن الصعب بين الهند وباكستان: يدرك الرئيس الأمريكي أن الولايات المتحدة تسير على حبل مشدود بين بلدين حليفين، فالهند شريك استراتيجي في مواجهة الصين، بينما باكستان شريك أمني حساس في مكافحة الإرهاب، بينما التدخل لصالح أحد الطرفين قد يهدد التوازن الأميركي في آسيا.
- التركيز على الصين بدلاً من كشمير: تعتبر إدارة “ترامب” الثانية أن التحدي الأكبر أمام واشنطن ليس جنوب آسيا، بل الصين، حيث أن التوترات التجارية والعسكرية مع بكين تحتل واجهة السياسة الخارجية الأميركية، وهو ما يجعل النزاع الهندي الباكستاني خارج الرادار السياسي المؤثر.
- الخوف من الفشل الدبلوماسي: في ظل انقسام داخلي، وانتقادات دولية لسياساته، يخشى الرئيس الأمريكي من التورط في ملف قد يفشل في حله، ما قد يُضعف صورته السياسية، خاصة وهو يحاول إثبات جدارته في فترة رئاسية ثانية كانت مثار جدل منذ انطلاقتها.