logo alelm
ما الذي يكمن وراء أزمة نقص الأدوية العالمية؟

يشهد العالم أزمة متفاقمة في توافر الأدوية، إذ يواجه مئات الآلاف من المرضى صعوبات متزايدة في الحصول على علاجاتهم بسبب نقص غير مسبوق في الأدوية الأساسية.

أزمة نقص الأدوية عالميًا

ووفقًا لتقرير شبكة “BBC”، طالت الأزمة أدوية اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، وعلاجات السرطان، والستاتينات، ومسكنات الألم الأفيونية، والمخدرات، والمضادات الحيوية، التي تعاني جميعها من انقطاعات مستمرة أو متكررة خلال السنوات الأخيرة.

وفي الوقت نفسه، ارتفع الطلب بشكل كبير على أدوية إنقاص الوزن الشهيرة مثل “موجارو” و”ويغوفي” و”أوزيمبيك”، مع قفزة حادة في أسعارها، ما جعلها بعيدة المنال عن كثير من المرضى الذين يعتمدون عليها لإدارة حالاتهم الصحية، خاصة المصابين بداء السكري من النوع الثاني

أعرب أطباء وخبراء في مجال الأدوية عن قلق متصاعد إزاء تفاقم أزمة نقص الأدوية خلال الأشهر الأخيرة، محذرين من تداعياتها الصحية والإنسانية الخطيرة. وأكدت الجمعية الطبية الأمريكية أن الوضع الراهن يشكل “أزمة صحية عامة ملحّة” ويمثل في الوقت نفسه تهديدًا للأمن القومي.

وفي حين تبذل الوكالات الحكومية وشركات الأدوية وصانعو السياسات جهودًا لمعالجة الأسباب الجذرية للأزمة، يتوقع خبراء أن تستمر موجة النقص بل وأن تتفاقم خلال العامين المقبلين قبل أن تظهر بوادر تحسن ملموس.

تأثير الأزمة على المرضى

أما المرضى الذين يواجهون تداعيات هذا النقص مباشرة، فيجدون أنفسهم أمام خيارات صعبة؛ إذ يعانون من تفاقم الأعراض، أو يضطرون إلى تعديل جرعاتهم لتقليل الاستهلاك، أو البحث عن بدائل علاجية أقل فعالية لإدارة حالاتهم. ويلجأ بعضهم إلى شراء الأدوية بأسعار مرتفعة أو تخزينها فور توفرها خشية انقطاعها مجددًا، في مشهد يعكس عمق الأزمة التي تمسّ حياة المرضى اليومية بشكل مباشر.

تراجع عدد الأدوية التي تعاني من نقص في الولايات المتحدة إلى 214 حالة بنهاية سبتمبر 2025، وهو أدنى مستوى منذ عام 2018، بعد أن بلغ الذروة في الربع الأول من 2024 عند 323 حالة، وفقًا لبيانات الجمعية الأمريكية لصيادلة النظام الصحي.

ورغم التحسن النسبي، تؤكد الجمعية أن النقص ما زال يؤثر على أدوية أساسية مثل لورازيبام لعلاج القلق وتريامسينولون الستيرويدي، إضافة إلى المواد الأفيونية الفموية التي يعتمد عليها مرضى الآلام المزمنة.

وفي المملكة المتحدة، يتكرر المشهد، حيث سُجل نقص في 135 دواءً حتى 20 أكتوبر 2025. وأشار تقرير برلماني حديث إلى أن إمدادات الأدوية تمثل ضغطًا “شديدًا” على النظام الصحي، فيما وصف تقرير آخر الأزمة بأنها “تحدٍ هيكلي مزمن”.

كما كشفت دراسة لجمعية مصنعي الأدوية الجنيسة البريطانية (BGMA) عام 2024 أن نصف المرضى تقريبًا يواجهون صعوبة في الحصول على أدويتهم، بينما يُحرم واحد من كل ستة من الدواء تمامًا، وسط توقعات بتفاقم الأزمة خلال الشتاء المقبل.

وأفادت مجموعة الأدوية التابعة للاتحاد الأوروبي بأن أزمة نقص الأدوية ما زالت تمسّ جميع دول الاتحاد، مشيرةً إلى أن نحو نصف الدول الأوروبية التي شملها استطلاع رأي سجلت نقصًا في ما بين 400 و800 نوع من الأدوية خلال الفترة من نوفمبر 2024 إلى يناير 2025.

زيادة الطلب على الأدوية

حل أزمة نقص الأدوية يظل معقدًا، إذ لا يرتبط بسبب واحد، بحسب إيلاريا باساراني، الأمينة العامة لمجموعة الأدوية التابعة للاتحاد الأوروبي. فقد أدت التحولات في الطلب وتعقيدات سلاسل التوريد إلى تفاقم الأزمة، خاصة بعد جائحة كوفيد-19 التي تسببت في ارتفاع كبير بأمراض الجهاز التنفسي وزيادة الطلب على المضادات الحيوية، فيما سجلت أكثر من 40 دولة موجات عدوى تفوق ما قبل الجائحة بعشر مرات.

كما تسهم شيخوخة السكان والتحولات الثقافية والاجتماعية في زيادة الطلب، مثلما حدث في المملكة المتحدة بعد بث فيلم وثائقي عام 2021 عن انقطاع الطمث، أدى إلى ارتفاع بنسبة 30% في طلب أدوية العلاج الهرموني البديل.

كما يعود نقص أدوية السكري سيماغلوتيد وتيرزيباتيد، المعروفة تجاريًا باسم ويغوفي وأوزيمبيك ومونجارو، إلى تحولها من أدوية لعلاج السكري إلى وسيلة شائعة لإنقاص الوزن، ما وسّع قاعدة مستخدميها بشكل كبير. وقد ساهمت حملات التسويق الواسعة عبر المؤثرين ووسوم إنستغرام وتيك توك في تعزيز الإقبال عليها باعتبارها محسّنة لنمط الحياة أكثر من كونها علاجًا طبيًا.

تشكل الأدوية الجنيسة؛ وهي نسخ منخفضة التكلفة من الأدوية الأصلية بعد انتهاء براءة اختراعها  النسبة الأكبر من حالات النقص عالميًا. إذ أدى الاعتماد على المنافسة السعرية إلى خفض أسعارها بشدة، حتى أن بعض المضادات الحيوية تُباع بأقل من سعر علبة علكة، ما جعل إنتاجها غير مجدٍ اقتصاديًا ودفع العديد من الشركات إلى التوقف عن تصنيعها، محدثة فجوات في سلاسل التوريد.

أسباب أزمة نقص الأدوية

تفاقمت أزمة الأدوية بفعل التعريفات الجمركية التجارية، خصوصًا على الصين، ما زاد الضغط على سلاسل التوريد العالمية.إذ تُصنَّع أكثر من 92% من الأدوية الجنيسة المخصصة للسوق الأمريكية في منشآت خارجية، بينما تُعد الصين مصدرًا رئيسيًا للمكونات الدوائية الفعالة.

وتحذر إيرين فوكس، مساعدة رئيس قسم الصيدلة في جامعة يوتا للصحة، من أن تكاليف الرسوم الجمركية الإضافية على المواد الخام أو التعبئة قد تدفع بعض الشركات إلى التوقف عن الإنتاج خلال ستة إلى اثني عشر شهرًا من فرضها، مما يهدد بمزيد من الانقطاعات في الإمدادات.

في المملكة المتحدة، تواجه هيئة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية (MHRA) تأخيرات تمتد بين 24 و30 شهرًا لإصدار تراخيص إنتاج الأدوية الجنيسة، ما يُعيق الشركات عن سد النقص بسرعة عند تعطل خطوط إنتاج أخرى، بحسب مارك سامويلز.

كما فاقم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الأزمة، إذ أدى إلى فصلها عن سلاسل توريد الأدوية الأوروبية وانخفاض قيمة الجنيه الإسترليني، وهو ما وصفه مركز “نافيلد ترست” للأبحاث بأنه أصبح “الوضع الطبيعي الجديد” في سوق الدواء البريطاني.

خطط لمواجهة الأزمة

في أغسطس 2025، كشفت حكومة المملكة المتحدة عن خطة جديدة لمواجهة أزمة نقص الأدوية، تتضمن رصد الانقطاعات المحتملة مبكرًا، وإعادة تفعيل تراخيص الأدوية المعلّقة، والاستثمار في التصنيع المحلي لتعزيز الاكتفاء الذاتي.

وفي الولايات المتحدة، أوصى مكتب المحاسبة الحكومية وزارة الصحة والخدمات الإنسانية بإنشاء آليات تنسيق رسمية على مستوى الحكومة الفيدرالية لمعالجة نقص الأدوية بشكل أكثر فاعلية.

على نطاق أوسع، يدعو الخبراء إلى إلزام شركات الأدوية بوضع خطط وقائية لمواجهة النقص، وجعل قدرتها على ضمان الإمداد معيارًا أساسيًا في تقييم أدائها بالسوق. وتقول إيرين فوكس إن السوق بحاجة إلى نظام تصنيف جديد لا يعتمد على السعر فقط، بل يأخذ في الاعتبار جودة التصنيع واستقرار التوريد.

من جانبها، تؤكد شركات الأدوية أنها تتعاون مع جهات تنظيمية مثل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) للحد من نقص الأدوية. ومع سعي الخبراء وصناع السياسات إلى تعزيز مرونة سلاسل الإمداد، تشدد فوكس على ضرورة تجنب الذعر بين المرضى.

توضح إيرين فوكس أن الإعلان عن نقص دواء لا يعني بالضرورة نفاده بالكامل، مشيرة إلى أن ذلك نادر الحدوث. وتضيف أن المرضى قد يواجهون تأخيرًا مؤقتًا أو يضطرون إلى تناول جرعات بديلة، لكنها تؤكد أن العلاج يظل متاحًا في معظم الحالات، داعية المرضى إلى عدم الذعر أو التوقف عن العلاج خشية انقطاع الدواء.

اقرأ أيضًا:

الفحم النشط وتأثيره على الأدوية: ضرره أكبر من نفعه

هذه الأدوية تسبب حرقة المعدة.. احذرها

لمستخدمي الأدوية المسيلة للدم.. لا تكثروا من هذه الأطعمة

شارك هذا المنشور:

المقالة السابقة

10 مخترعين ماتوا قبل أن يروا نجاح اختراعاتهم

المقالة التالية

مع اقتراب الهالوين.. ما الدولة الأكثر هوسًا بأفلام الرعب؟