مع كل تقارب اقتصادي جديد بين واشنطن وبكين، تعود التساؤلات حول مستقبل العملة العالمية. هل يتمكن اليوان الصيني من أن يحل محل الدولار الأميركي كعملة احتياط رئيسية في العالم؟ ورغم الطموحات الصينية المتكررة، فإن الواقع المالي الدولي يشير إلى أن هذا التغيير، إن حدث، فسيحتاج إلى عقود، وربما لا يحدث أبدًا.
لا شك أن السياسات الاقتصادية الصينية قد أدت تعزيز حضور اليوان على الساحة الدولية منذ سنوات. من خلال مبادرات مثل “الحزام والطريق”، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وإدراج اليوان في حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي، وتسريع استخدام “اليوان الرقمي”، تسعى بكين إلى بناء نظام تجاري ومالي “صيني المركز”. لكن رغم هذه الجهود، لا تزال هيمنة الدولار قائمة بقوة. نحو 80% من التجارة العالمية تتم باستخدام الدولار، و90% من معاملات الصرف الأجنبي تتضمن الدولار في أحد طرفيها، مقارنة بنسبة لا تتجاوز 4% لليوان، حتى بعد كل محاولات التوسع.
يتفوق الدولار على اليوان في ثلاث سمات جوهرية تجعل منه العملة المفضلة عالميًا:
بالمقابل، تفتقر الأسواق المالية الصينية للسيولة والعمق اللازمين. كما أن الحكومة الصينية لا تزال تتحكم بسعر صرف اليوان وتقيّد حركة رؤوس الأموال، ما يعيق بناء الثقة الدولية اللازمة لاعتماد العملة كعملة احتياط.
ربما تتمكن الصين مستقبلاً من تطوير أسواقها وتعزيز الثقة باليوان، لكنها ستصطدم بعقبة أساسية: النظام السياسي. فلتُصبح العملة عالمية، يجب أن تُحرر بالكامل من القيود الحكومية. وهذا يتطلب أن يتخلى الحزب الشيوعي الصيني عن جزء من سيطرته على الاقتصاد، وهو أمر يتناقض جذريًا مع فلسفته في الحكم.
من غير المرجح أن تقبل القيادة الصينية بهذه التنازلات، مما يجعل فكرة منافسة اليوان للدولار على المدى القريب أو المتوسط أقرب إلى الوهم.
رغم أن نفوذ الدولار لم يعد مطلقًا كما كان، لكنه لا يزال يتفوق على جميع العملات الأخرى في مقومات العملة العالمية. واليوان، رغم تقدمه، يواجه تحديات هيكلية وسياسية تعيق تحوله إلى بديل حقيقي. وحتى إشعار آخر، يبقى الدولار هو الخيار الموثوق للعالم في التجارة والاستثمار والاحتياط النقدي، أي أن الإجابة المختصرة لهذا السؤال هي: لا.. ليس قريبًا.