تكشف الأرقام السنوية أن أكبر 2500 شركة في العالم تستثمر مجتمعةً ما يزيد على تريليون دولار في مجال البحث والتطوير، وهو رقم يعكس الأهمية الاستراتيجية القصوى للابتكار في تحديد ملامح المستقبل الاقتصادي.
وفيما تحافظ قائمة الشركات الأكثر إنفاقًا على هيكل شبه ثابت تهيمن عليه شركات التقنية، تبرز تحولات لافتة تعيد تشكيل خريطة المنافسة، أبرزها الصعود الصاروخي لشركة “إنفيديا” مدفوعة بطفرة الذكاء الاصطناعي.
ويتصدر عمالقة التكنولوجيا المشهد العالمي، حيث تواصل شركة “ألفابت” تربّعها على القمة منذ عام 2019، متجاوزةً بذلك شركة “سامسونج”.
ويؤكد هذا الترتيب أن الاستثمار طويل الأجل والمستدام في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة المتقدمة لم يعد خيارًا، بل ضرورة حتمية للبقاء في صدارة المشهد التنافسي العالمي.
ومع ذلك، لا يقتصر سباق البحث والتطوير على عمالقة التقنية، بل يمتد ليشمل قطاعات حيوية أخرى مثل الأدوية والسيارات، التي تواجه تحديات فريدة في الموازنة بين الإنفاق الضخم وتحقيق الربحية.
تُعرَّف شركات البحث والتطوير بأنها تلك الكيانات التي تخصص جزءًا كبيرًا من إيراداتها لأنشطة الابتكار وخلق تقنيات أو منتجات جديدة.
وتأتي في صدارة هذه الشركات لعام 2024 مجموعة من عمالقة التقنيةا، حيث استثمرت “ألفابت” وهي الشركة الأم لـ “غوغل” نحو 49.6 مليار دولار، تليها “ميتا” بـ 43 مليار دولار، ثم شركة “أبل” بـ 33 مليار دولار، وشركة “ميكروسوفت” بـ 31.9 مليار دولار، وتتبعها “هواوي” و”سامسونغ”.
ويظهر التحليل أن الذكاء الاصطناعي أصبح محورًا استراتيجيًا مشتركًا بين هذه الشركات الكبرى، فبينما تركز “ألفابت” على البنية التحتية للذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية، تعمل شركة “ميكروسوفت” على دمج الذكاء الاصطناعي في منظوماتها السحابية وحلولها للمؤسسات.
من جانبها، توجه شركة “أبل” استثماراتها نحو تصميم شرائح السيليكون المخصصة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، ودمج قدرات هذه التقنية المتقدمة مباشرة في أجهزتها عبر نظام “Apple Intelligence”.
يجسد الصعود السريع لشركة “إنفيديا” إلى قائمة أكبر 15 شركة إنفاقًا على البحث والتطوير كيف يمكن للرهانات الاستراتيجية المركزة أن تغير موازين القوى، فقد نجحت الشركة، من خلال بناء نظام بيئي متكامل يدمج بين الرقائق المتخصصة وأطر البرمجيات الحصرية مثل “CUDA”، في تحقيق نمو هائل، حيث ارتفع إنفاقها على البحث والتطوير بنسبة 18.2% في عام 2023.
وعلى النقيض تمامًا، واجهت شركة “إنتل” مسارًا مختلفًا في عام 2024، حيث عانت من انخفاض في الإيرادات وأعلنت عن خطة لخفض التكاليف بقيمة 10 مليارات دولار، مما يسلط الضوء على أن مجرد الإنفاق الضخم لا يضمن النجاح.
ويحذر محللون في “جولدمان ساكس” من أن الاستثمارات الهائلة التي تغذي مشاريع الذكاء الاصطناعي، والتي تقدر بنحو تريليون دولار، قد تستغرق سنوات قبل أن تترجم إلى فوائد اقتصادية ملموسة.
يمتد هذا التوجه في الإنفاق الضخم على البحث والتطوير إلى قطاعات أخرى، لكن مع تحديات مختلفة، ففي قطاع الأدوية، تنفق شركات مثل “بريستول مايرز سكويب” و”روش” و”فايزر” ميزانيات هائلة لتعزيز خطوط إنتاجها من الأدوية المبتكرة على المدى الطويل، وهو ما لا ينعكس بالضرورة على أرباح فورية.
وواجهت الصناعة ارتفاعًا مطردًا في تكاليف البحث والتطوير دون زيادة مماثلة في عدد الموافقات على الأدوية الجديدة، كما شهد عام 2024 تحديات خاصة، حيث طبقت “فايزر” استراتيجية لخفض التكاليف بقيمة 4 مليارات دولار، بينما تواجه “ميرك” تحدي انتهاء صلاحية براءة اختراع دواء “كيترودا” الذي يمثل 40% من إيراداتها.
وفي قطاع السيارات، تجسد شركة “فولكس فاجن” التوتر بين الإنفاق الهائل على السيارات الكهربائية والقيادة الذاتية، وبين هوامش الربح المنخفضة تقليديًا في هذا القطاع.
ورغم زيادة استثماراتها، انخفضت أرباحها التشغيلية بنسبة 21% في الأشهر التسعة الأولى من عام 2024، مما دفعها إلى تبني برنامج كفاءة بقيمة 10 مليارات يورو والدخول في شراكات استراتيجية، مثل استثمار 5 مليارات دولار في شركة “ريفيان” لتسريع تطوير برمجيات السيارات الكهربائية.
بعيدًا عن حجم الإنفاق المطلق، تكشف بيانات النمو لعام 2023 عن ديناميكيات مثيرة للاهتمام، ففي قطاع أجهزة تقنية المعلومات والاتصالات، تصدرت “إنفيديا” المشهد بنمو بلغ 18.2%. أما في قطاع الأدوية، فقد حققت شركة “إيلي ليلي” أسرع نمو بنسبة 29.5%، مدفوعة بنجاحها في أدوية علاج السمنة.
وفي قطاع السيارات، تفوقت شركة التوريد الألمانية “ZF Friedrichshafen” على “تسلا” في نمو الإنفاق، مسجلة زيادة بنسبة 33.1%، مما يثبت أن سباق الابتكار لا يقتصر فقط على الأسماء الأكثر شهرة.