للتاريخ تأثيراً مدهشاً في قراءة الحاضر، ربما هذه الحقيقة تنطبق على إثيوبيا التي عانت من ويلات الحرب الأهلية في عقدي السبعينيات والثمانينيات، لكنها لم تستخلص دروس الماضي، لتعود مجدداً للعنف الدموي بتفاقم الصراع في إقليم تيغراي شمالي البلاد، والذي تحول إلى معارك واسعة النطاق تعيد شبح تقسيم هذا البلد الأفريقي إلى الواجهة، وتنذر بزلزال يهدد القرن الإفريقي المجاور بأكمله.
ويزداد المشهد الإثيوبي دموية وضبابية مع مواصلة مقاتلي تيغراي زحفهم تجاه العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، ما دفع رئيس الوزراء آبي أحمد إلى قيادة الجيش على جبهة القتال، وسط تحذيرات من انزلاق إثيوبي في هاوية سيناريوهات كارثية تهدد بأزمة إنسانية في بلد الـ 110 مليون نسمة.
وعلى وقع هذا النزاع الأهلي، اضطرت بعثات دبلوماسية ومواطني الدول الأجنبية وطواقم عمل تابعة للأمم المتحدة من مغادرة إثيوبيا، جراء تدهور الأوضاع الأمنية في البلد الذي كان من أسرع الاقتصادات نمواً في أفريقيا.
كما ثارت مخاوف دولية من أن يؤدي النزاع إلى مجاعات وكارثة إنسانية في ظل وجود 7 ملايين إثيوبي بحاجة للإغاثة العاجلة، فضلاً عن معاناة ما لا يقل عن 13 مليون آخرين من انعدام الأمن الغذائي، ونزوح أكثر من مليوني إثيوبي لمناطق مجاورة، إذ تتسع دائرة معاناتهم يوماً بعد يوم في ظل رفض أطراف النزاع السماح للشحنات الإغاثية الغذائية والدوائية المرور لمناطق المأساة.
وتطال المخاوف مصالح استراتيجية أيضاً، إذ تخشى الدول الغربية من أن يؤدي القتال الأهلي إلى حرب واسعة في إثيوبيا المتعددة الأعراق، بما يهدد بتفككها، ومن ثم انتقال عدوى الصراع مع ملايين النازحين الإثيوبيين إلى الجيران الأفارقة.
اتساع رقعة القتال
مع إقدام الحكومة الإثيوبية على قطع الاتصالات عن إقليم تيغراي، وحظر دخول المساعدات الإنسانية إليه، توجه مقاتلو جبهة تحرير شعب تيغراي إلى جنوب إثيوبيا، بهدف الضغط على الحكومة الإثيوبية من أجل رفع حصارها عن الإقليم، في حين انتقلت المواجهات إلى إقليم أمهرة المجاور له، وإقليم عفر شمال شرقي البلاد، متسبباً في وقوع آلاف الضحايا وتشريد ملايين آخرين.
وترى حكومة آبي أحمد، أن مقاتلي جبهة تحرير تيغراي، يريدون العودة إلى الحكم، حيث حكمت البلاد منذ عام 1991، لمدة 27 عاماً بعدما أطاحت بالحزب الشيوعي حينذاك، وتمكنت من تحقيق طفرة في الاستثمارات في البنية التحتية رفعت من قوة الاقتصاد الإثيوبي، لكنها في الوقت ذاته كانت تواجه انتقادات محلية بشأن القمع، الأمر الذي استغله آبي أحمد للوصول إلى السلطة في إبريل عام 2018، بعدما قدم وعودا بإصلاحات اجتماعية وسياسية.
[two-column]
تطال المخاوف مصالح استراتيجية أيضاً، إذ تخشى الدول الغربية من أن يؤدي القتال الأهلي إلى حرب واسعة في إثيوبيا المتعددة الأعراق، بما يهدد بتفككها، ومن ثم انتقال عدوى الصراع مع ملايين النازحين الإثيوبيين إلى الجيران الأفارقة.
[/two-column]
مأساة تيغراي
تجري المعارك في تيغراي بين القوات الحكومية الإثيوبية بمساعدة قوات إريترية وميليشيات من إقليم أمهرة من جهة، ومقاتلي جبهة تحرير الإقليم من جهة أخرى، ما أدى لحصار كامل للإقليم أدى إلى معاناة حوالي 90% من سكانه البالغ عددهم 5.2 مليون نسمة، من وضع أشبه بالمجاعة، بحسب تقديرات الأمم المتحدة.
ووسط هذه الأجواء، دعا رئيس الوزراء الإثيوبي الشعب إلى حمل السلاح ضد مقاتلي تيغراي، لصد تقدمهم تجاه العاصمة أديس أبابا، قائلاً في منشور على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: “علينا أن ننظم الصفوف من أجل تكريس كل ما أوتينا من سلاح وقوة لقتال ودفن حزب جبهة تحرير شعب تيغراي”.
ولكن في الرابع من نوفمبر الماضي، حذف “فيسبوك” منشور آبي أحمد، خشية تحريضه على العنف.
تحالف جديد
بعد توجه رئيس الوزراء الإثيوبي، لاستخدام مختلف الأدوات العسكرية ضد جبهة تحرير تيغراي، توجهت الأخيرة للدخول في تحالف عسكري مع جيش تحرير الأورومو الذي ينتمي لأكثر القوميات الإثيوبية شعبية وتأثيراً، والتي لديها نقطة سوداء مع الحكومات المتتالية بسبب ما تراه تهميشا لها واضطهادا لرموزها.
نجح تحالف جيشي التيغراي والأورومو في التقدم عسكريا على أرض الواقع، بدخول مدن رئيسية في إقليم أمهرة، فضلاً عن اعتزام مواصلة التوسع حتى العاصمة أديس أبابا.
وفي نقطة تحول مفصلية للنزاع، أعلنت 7 قوى سياسية وعسكرية إثيوبية دعمها لتحالف التيغراي والأورومو، ما يثير مخاوف من حرب أكثر دموية وشمولاً.
اقرأ أيضًا
أكثر الموضوعات بحثاً على جوجل لعام 2021
الصراع على أوكرانيا.. مخاوف من حرب روسية غربية محتملة في 2022