صحة

مقاومة المضادات الحيوية.. أزمة قد تحلها التقنية

تشكل مقاومة المضادات الحيوية خطرًا متزايدًا على الصحة العامة عالميًا، حيث أصبحت العدوى الناتجة عن البكتيريا المقاومة أصعب علاجًا، مما يعرض حياة الملايين للخطر. في هذا السياق، يعمل العلماء على ابتكار طرق جديدة لتطوير علاجات فعالة تحد من انتشار البكتيريا المقاومة وتحافظ على فعالية المضادات الحيوية الحالية.

الأزمة: كيف تعمل مقاومة المضادات الحيوية؟

تحدث مقاومة المضادات الحيوية عندما تتطور البكتيريا، مثل الإشريكية القولونية (E. coli)، لتصبح قادرة على مقاومة تأثير المضادات الحيوية المستخدمة لعلاجها. الطريقة التقليدية لمواجهة هذا التحدي تعتمد على تحليل الجينات المسؤولة عن المقاومة من خلال التجارب المخبرية. يتم ذلك عبر مراقبة استجابة البكتيريا لأنواع مختلفة من المضادات الحيوية، ثم البحث عن طفرات جينية تمنحها القدرة على النجاة.

ورغم فعالية هذه الأساليب، فإنها تستغرق وقتًا طويلاً وقد لا تكشف عن جميع العوامل المساهمة في المقاومة. يمكن أن تنجم المقاومة عن تغييرات في كيفية عمل الجينات، أو عبر تبادل البكتيريا لجينات المقاومة فيما بينها، وهي عوامل يصعب رصدها باستخدام الطرق التقليدية.

الحل: منهجية جديدة تعتمد على الحوسبة

استجابة لهذه التحديات، طور فريق من الباحثين نهجًا مبتكرًا يستخدم النمذجة الحاسوبية لتحليل جينومات البكتيريا. يقوم هذا النهج بتحديد الجينات المسؤولة عن المقاومة وتصميم مركبات مثبطة تستهدف تلك الجينات مباشرة، مما يعزز فعالية المضادات الحيوية الحالية.

آلية المنهج الجديد

تبدأ العملية بتحليل الجينوم الكامل لسلالات متعددة من البكتيريا باستخدام خوارزميات تعلم الآلة. تساعد هذه الخوارزميات في الكشف عن أنماط جينية جديدة مرتبطة بالمقاومة. بعد ذلك، يتم تصميم مثبطات ترتبط بالبروتينات التي تنتجها هذه الجينات. عبر دراسة بنية البروتينات، يستطيع العلماء تحسين المركبات لتصبح أكثر فعالية في تعطيل هذه البروتينات.

تطبيق المنهج الجديد

تمثل المركبات المثبطة المصممة باستخدام هذا النهج أملًا كبيرًا في مواجهة البكتيريا المقاومة. على سبيل المثال، نجح الباحثون في تصميم مركب يُعرف باسم “هيسبيريدين”، الذي أثبت قدرته على استهداف ثلاثة جينات رئيسية تمنح المقاومة في بكتيريا E. coli. ومن خلال المحاكاة الحاسوبية، أظهر المركب فعالية كبيرة في تعطيل هذه الجينات، مما يعيد فعالية المضادات الحيوية التقليدية.

أهمية الابتكار لحل أزمة مقاومة المضادات الحيوية

يتميز النهج الجديد بعدة مزايا تجعله خطوة محورية في مكافحة مقاومة المضادات الحيوية. أولًا، يقلل استهداف الجينات الحيوية للبكتيريا من احتمالية تطور مقاومة جديدة، حيث يصعب على البكتيريا تعويض الخلل في الوظائف الأساسية التي تعتمد عليها. ثانيًا، يمكن أن يقلل تصميم مركبات تعمل بآليات مختلفة عن المضادات الحالية من خطر المقاومة المشتركة، مما يعزز من فعالية العلاجات.

مقاومة المضادات الحيوية: أزمة عالمية

تقدر منظمة الصحة العالمية أن مقاومة المضادات الحيوية تمثل واحدة من أخطر عشرة تهديدات صحية عالمية. في عام 2019، تسببت العدوى الناتجة عن البكتيريا المقاومة في وفاة حوالي 4.95 مليون شخص حول العالم. ومع زيادة انتشار العدوى المقاومة، يصبح تطوير حلول جديدة أمرًا ضروريًا لضمان استدامة فعالية المضادات الحيوية.

في النهاية

تمثل الأساليب الجديدة، مثل تلك التي تعتمد على النمذجة الحاسوبية، نقطة تحول في مواجهة مقاومة المضادات الحيوية. من خلال استهداف الجينات المسؤولة عن المقاومة، يمكن لهذه المنهجيات أن تساعد في تحسين فعالية العلاجات الحالية وتقديم حلول مبتكرة. وبينما لا يزال هناك الكثير من العمل قبل تطبيق هذه التقنيات في العيادات، فإنها تمثل أملًا حقيقيًا في مواجهة أحد أكبر التحديات الصحية التي تواجه البشرية.