أثارت واقعة التشكيك في نوع لاعبة رياضة الملاكمة الجزائرية، إيمان خليف، الكثير من التساؤلات حول طبيعة قواعد الأهلية الجنسية والطريقة التي يتم تطبيقها بها على اللاعبات.
وكانت اللاعبة الإيطالية، أنجيلا كاريني، انسحبت خلال منافستها لخليف في دورة الألعاب الأولمبية في فرنسا 2024، قائلة إن المنافسة كانت غير عادلة وأنها اضطرت إلى ذلك بدافع الخوف على حياتها.
ولم تكن خليف وحدها في هذه الانتقادات والاتهامات، بل انضمت لها لاعبة تايوان لين يو تينغ، وهو ما أزاح الستار عن الكثير من التعقيدات التي تفرضها تلك القواعد.
وفيما يتعلق بأهلية النساء للمشاركة في الأحداث الرياضية الضخمة، فإن بعض الإجراءات تتضمن مراحل وإجراءات خطرة، وأحيانا تكون مهينة ومُذلة للاعبات.
وكمثال، تضمنت الألعاب الأولمبية في ستينيات القرن العشرين اختبارات بصرية مهينة تهدف إلى التحقق من جنس الرياضيين.
وبدأ التدقيق في قواعد الأهلية الجنسية للاعبات مع صعود العداءة الجنوب أفريقية، كاستر سيمينيا في سباق 800 متر إلى النجومية، باعتبارها فتاة تبلغ من العمر 18 عامًا حصلت على الميدالية الذهبية.
وتم منع سيمينيا من المشاركة في نفس السباق في عامي 2012 و2016، بسبب مستويات التستوستيرون المرتفعة لديها، وكانت مشاركتها مرهونة بخفض تلك المستويات.
معايير مشاركة النساء
تُعد مستويات هرمون التستوستيرون هي المعيار الأساسي لمشاركة اللاعبات في الأحداث الرياضية الكبرى، وليس الكروموسومات XY.
وتم وضع تلك القواعد من قبل الهيئة الحاكمة للرياضة القواعد ووافقت عليها.
ويرجع ذلك إلى أن بعض النساء، اللاتي وُلِدن كإناث، يعانين من حالات تسمى اختلافات النمو الجنسي، والتي تنطوي على نمط كروموسوم XY أو هرمون تستوستيرون طبيعي أعلى من النطاق الأنثوي النموذجي.
ويعمل التستوستيرون على زيادة القوة العضلية في الجسم وكتلة العظام بعد فترة البلوغ، وتكون النسب أضعاف عند الذكور ما هي عليه عند النساء، بنحو 30 نانومول لكل لتر من الدم مقارنة بأقل من 2 نانومول/لتر لدى النساء.
وبحسب بعض المسؤولين، فإن تلك الطفرات تمنح اللاعبات ميزة غير عادلة في المنافسة أمام اللاعبات الأخريات، ولكنه أمر لم يحسمه العلم بعد.
وفي حالة سيمينيا، ثبت من بياناتها أنها تعاني من اضطراب الشخصية الحدية، فيما تم تحديد هويتها الجنسية عند الولادة بأنها أنثى وظلت هكذا طوال حياتها.
وانتهت جلسة الاستماع التي عُقدت في عام 2019 أمام محكمة التحكيم الرياضية بأن الرياضيين الذين يعانون من حالات اضطراب النمو الاجتماعي هم “ذكور بيولوجيًا”، ووصفت سيمينيا هذا التشخيص بأنه “مؤلم للغاية”.
تداعيات سيئة
استحوذت قضية سمينيا على اهتمام كبير قبل عام 2021، وهو الوقت الذي كانت تحتل فيه قضية الهوية الجنسية جانب كبير من النقاشات.
واضطرت سيمينيا وقتها إلى تناول وسائل منع الحمل عن طريق الفم طوال 5 سنوات لتخفيض مستويات التستوستيرون، ما تسبب لها في العديد من التداعيات الصحية والنفسية السيئة منها: زيادة الوزن والشعور بالغثيان وآلام البطن.
وكانت تلك الأعراض الجانبية حاضرة بقوة خلال مشاركتها في منافسات بطولة العالم في 2011 وأولمبياد 2012.
وكانت الرياضيات من أصحاب البشرة الملونة هم الأكثر عُرضة للتدقيق في الاختبارات الجنسية، وواجهوا العديد من الاتهامات بالتحول الجنسي و أنهم ذكور.
اختلاف اختبارات التحقق من الجنس
تختلف المعايير والقواعد التي يتم بموجبها إجراء الاختبارات الجنسية وتحديد المشاركة في اللعب بين لعبة وأخرى، وتتولى مسؤولية وضعها كل هيئة حاكمة لأي رياضة أولمبية.
وبالنسبة لرياضة الملاكمة فتقضي القواعد بأن تكون اللاعبة مقيدة على أنها أنثى في جواز سفرها، وهو معيار اعتمدته دورة الألعاب الأولمبية في باريس 2024 ودورة الألعاب الأوليمبية في ريو دي جانيرو في عام 2016.
ولكن على مدار السنوات الثمان الماضية كان هناك العديد من النقاشات في مجال العلوم وحول تلك القواعد.
ومنذ دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو عام 2021، شددت الاتحادات الرياضية العالمية قواعد الأهلية للرياضيات المصابات باضطرابات النمو الجنسي.
وألزمت الاتحادات الرياضيات بداية من مارس 2023 بخفض مستويات التستوستيرون لديها لأقل من 2.5نانومول/لتر لمدة ستة أشهر، والذي يتم عادة من خلال تناول مثبطات الهرمونات، حتى يتكنوا من المشاركة في المنافسات.
وكان هذا نصف المستوى الذي بلغ 5 نانومول/لتر والذي اقترح في عام 2015 للرياضيين الذين يتنافسون على مسافات تتراوح بين 400 متر إلى ميل واحد.
واتبعت بعض اتحادات الرياضات العالمية ما أقره الاتحاد الدولي للرياضات المائية بمنع النساء المتحولات جنسيًا من المشاركة في سباقات السيدات حال وصولهن لسن البلوغ.
وسار على نفس النهج الاتحاد الدولي للدراجات خلال العام الماضي.
وبالنسبة لرياضة السباحة، فتُلزم القواعد المشاركات المتحولات جنسيًا بالحفاظ مستويات من هرمون التستوستيرون أقل من 2.5 نانومول/ لتر.
وعلى نحو مماثل، يلجأ الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) إلى الاتحادات الوطنية الأعضاء للتحقق من جنس اللاعبين وتسجيلهم .
ولكن في عام 2011، قال الفيفا إن اختبارات التحقق من الجنس الإلزامية أو الروتينية لن تُجرى في مسابقاته، وهو أمر لا زال قيد التطبيق حتى الآن.
وتحاول الهيئات الحاكمة في الرياضات المختلفة تحقيق العدالة في المنافسات الرياضية خصوصًا بين النساء، وتحديدًا في الرياضات التي تتطلب احتكاكًا جسديصا مثل الملاكمة والرياضات القتالية.
وفي المقابل، لا يُطلب من الرياضيين الذكور تنظيم مستويات التستوستيرون لديهم، وهو أمر ساري أيضًا على الرياضيات من النساء اللاتي لا يعانين من اضطراب في الهوية أو النوع.
المصدر: AP