يونيو ٣٠, ٢٠٢٥
تابعنا
نبض
logo alelm
حين هتفت الجماهير للحديد.. روبوتات الصين تهزم البشر في كرة القدم

في لحظةٍ كان يُفترض أن يُصفق فيها جمهور الكرة للاعبين بشر، كان الأطفال والكبار في بكين يهتفون للآلات؛ روبوتات تتعثر وتنهض، تراوغ وتسدّد، وتُحمَل على نقالات عند التعطّل.

هكذا بدت أجواء ملعب مغلق في العاصمة الصينية، حيث اصطفت أربع فرق من الروبوتات «البشرية الشكل» في مباراة لا وجود فيها لأي تدخل بشري. كل ما جرى على الأرض أديرت بالكامل عبر الذكاء الاصطناعي: تمريرات محسوبة، وتمركز تكتيكي، وحتى محاولات التسلل والدفاع، في تجربة وُصفت بأنها «الأولى من نوعها» ضمن تمهيد لـ«بطولة العالم للروبوتات البشرية» المقررة لاحقًا هذا العام في بكين.

لماذا يهتف الناس للآلات؟

المفارقة ليست في براعة الروبوتات الستة على العشب الاصطناعي، بل في خفوت الحماسة الجماهيرية تجاه المنتخب الصيني لكرة القدم، مقارنة بالحماس الكبير الذي أثارته هذه الآلات. فبينما أخفقت الصين في التأهل إلى كأس العالم المقبلة في كندا والمكسيك والولايات المتحدة، يبدو أن «الروبوتات» وجدت طريقها إلى قلوب الجماهير.

يقول «تشينج هاو»، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «بوستر روبوتيكس» التي صنعت الروبوتات المستخدمة في المباريات: «المنافسات الرياضية تمثّل أفضل ساحة اختبار للروبوتات البشرية… فهي تكشف نقاط ضعفنا وقوة أنظمتنا في آنٍ معًا».

كيف تعمل الروبوتات؟

جُهّز كل روبوت مشارك في المباراة الثلاثية بحساسات بصرية متطورة تمكّنه من التعرف على الكرة، وتحديد موقع زملائه وخصومه، واتخاذ قرارات فورية بشأن التحرك والتمرير. اللافت أن هذه الروبوتات قادرة على الوقوف مجددًا عند السقوط، ولكن بعض الحالات استدعت حمل الروبوتات إلى خارج الملعب على نقالات، في مشهد بدا -للمفارقة- أكثر «واقعية» من مباريات بعض الفرق البشرية.

كل فريق مثّله طلاب وباحثون من أربع جامعات صينية، تولّت شركة «بوستر» توفير الأجهزة، بينما طوّرت كل جامعة خوارزميات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها لتحديد التشكيل والاستراتيجيات وأنماط التمرير والتحرك.

ما الذي يختبره الصينيون فعلاً؟

خلف هذه المشاهد المدهشة تكمن نية أكبر من مجرد الترفيه. فالصين، التي تسعى لتصدّر سباق الذكاء الاصطناعي عالميًا، تستخدم الرياضة لاختبار قدرات الروبوتات في بيئة واقعية مليئة بالتحديات المتغيرة. لا يتعلق الأمر فقط بركل الكرة، بل بالتكيف مع الخصم، وإعادة الحسابات في أثناء الحركة، واتخاذ قرارات في أجزاء من الثانية.

«في المستقبل»، يقول هاو، «قد نرى مباريات يشارك فيها الروبوتات والبشر معًا. لن يكون المهم من يفوز، بل كيف يمكن للناس أن يشعروا بالثقة والأمان وهم يتفاعلون مع هذه الكائنات الذكية».

من فاز في النهاية؟

في المباراة النهائية، تفوقت جامعة «تسينغهوا» على فريق جامعة الزراعة الصينية بنتيجة 5-3، لتحصد أول لقب في «روبو ليج». لكن أحد المشجعين لم يهتم بالنتيجة قدر اهتمامه بتجربة المشاهدة ذاتها: «الفريقان قدّما مستوى رائعًا، وشاهدنا شيئًا لم نره من قبل»، قال وهو يلوّح بعلم صغير.

وبعيدًا عن الملاعب، تعكس هذه التجربة مفارقة كبرى: بينما تتقدم الصين بخطى سريعة في صناعة روبوتات قادرة على منافسة البشر رياضيًا، لا يزال منتخبها الوطني بعيدًا عن تحقيق إنجازات تذكر. في الوقت ذاته، تكشف هذه التجربة عن طموحات تتجاوز الرياضة إلى مجالات أعمق كالأمن، والتعليم، والرعاية الصحية.

لكن ثمة سؤالًا يلوح في الأفق: إذا كان البشر يفقدون أماكنهم حتى في الرياضة، فماذا تبقّى لهم في عالمٍ تزداد فيه كفاءة الآلات؟ هل نُسلّم طواعية بفكرة أن الروبوتات أكثر إثارة منّا؟ أم أن في هذه المفارقة دعوة إلى إعادة التفكير فيما يعنيه أن نكون بشراً في عصر الذكاء الاصطناعي؟

شارك هذا المنشور:

السابقة المقالة

السمنة والقلق: بحث جديد يستكشف آفاق العلاقة بينهما

المقالة التالية

المملكة تنظم الأنشطة الصناعية خارج المدن.. ضوابط جديدة تفتح الباب لاستثمارات مستدامة