باتت الكوفية الفلسطينية رمزًا للتضامن في العديد من التظاهرات حول العالم، منذ أن اندلع العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة في 7 أكتوبر الماضي.
ولكن هذا التضامن كلف 3 طلاب جامعيين فلسطينيين حياتهم، بعد أن أطلق شخص عليهم النار في ولاية فيرمونت الأمريكية لمجرد ارتدائهم للكوفية الفسلطينية.
وفي حين أن الكوفية يتم ارتداؤها في مناطق مختلفة في الشرق الأوسط، إلا أنها أصبحت تُعرف خلال العقود الأخيرة كرمز للهوية الفلسطينية والمقاومة.
تاريخ الكوفية الفلسطينية
بحسب ما نقلته شبكة “سي إن إن” عن الصحافي الفلسطيني الكندي وطالب الدكتوراه في الأنثروبولوجيا في جامعة تورنتو، مجيد ملحس، فإن الرعاة والمزاعين من البدو هم من ارتدوا الكوفية منذ عقود.
ولكن بعد ذلك بدأ الثوار والناشطون في أنحاء مختلفة من العالم في استخدام الوشاح.
وفي الوقت نفسه لا يزال كبار السن وبعض البدو والمزارعين في الشرق الأوسط يرتدون الكوفية الفلسطينية.
وحتى عشرينيات القرن الماضي، كان البدو يرتدون الكوفية والتي يُطلق عليها أيضًا “الحطاح أو الشماغ”، بحسب الباحثة المتخصصة في تاريخ الملابس الفلسطينية، وفاء غنيم.
وتقول غنيم إن تاريخ الكوفية يعود إلى القرن التاسع عشر، وكانت تُصنع من القطن والحرير والصوف الناعم.
طبيعة الكوفية
يأتي الوشاح في لونين فقط إما الأبيض والأسود أو الأبيض والأحمر، وهو شال مربع الشكل ذو أطراف مزخرفة بالخيوط.
وأضاف ملحس أنه كان يتخللها خيوطًا سوداء وخضراء وحمراء وبيضاء، إذ كانت تستخدم كغطاء للرأس.
وأشار إلى أن هذه العادة كانت شائعة في الشرق الأوسط بين الرجال والنساء على حد سواء.
وبالنسبة للرجال فيتم ارتداء الوشاح بنمط تقليدي من خلال طيه بطريقة معينة وتثبيتها بالعقال، وهو حبل دائري أسود.
وكان الغرض الأساسي من ارتداء الشال أو الكوفية هو الحماية من الشمس، وبمرور الوقت باتت جزءًا من الهوية البدوية، وفق ملحس.
ولكن الآن فيتم ارتداء الوشاح إما على الرأس أو كشال على الكتف.
وتتنوع الرسومات على الشال بين شجرة الزيتون وشبكة صيد السمك، وكل منهما يرمز إلى طبيعة منطقة معينة في أرض فلسطين.
الكوفيه بالنسبة للفلسطينيين
تمثّل الكوفية رابطًا بين الفلسطينيين والعرب عمومًا وهويتهم وثقافتهم، بحسب ما قالته الخبيرة الاستراتيجية والمديرة الإبداعية الفلسطينية، داليا جاكوبس.
وتقول جاكوبس إنها ترتدي الكوفية المصنوعة في مسقط رأسها الخليل عند سفرها دائمًا إلى الخارج.
ووصفت جاكوبس ارتداء الكوفية بأنه بمثابة “حمل المنزل على الأكتاف، كما أنه رمز للمقاومة”.
وبالمثل، ترى غنيم أن الكوفية تذكّرها بوالدها، بينما يذكرها التطريز عليها بوالدتها.
الكوفية رمز المقاومة
انتقلت الكوفية خلال ثلاثينيات القرن الماضي، من مجرد رمز للهوية الثقافية وأصبحت رمزًا للمقاومة.
هذا البعد السياسي اكتسبته خلال الثورة العربية في الفترة بين عامي 1936 و1939، وفق غنيم.
وشهدت هذه الفترة جهودًا من الفلسطينيين رغبة في إنهاء الاحتلال البريطاني على دولتهم وتحقيق الاستقلال.
وفي هذا الوقت، كان الفلسطينيون من جميع الطبقات والفئات يرتدون الكوفية كرمز للتضامن.
وما عزز وجود الكوفية كرمز سياسي هو ارتداء رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الراحل، ياسر عرفات، الكوفية بشكل دائم.
وكان يتم تصوير عرفات في العديد من المحافل الدولية مرتديًا الوشاح باللونين الأبيض والأسود، وهو ما دعم دورها كإشارة إلى النضال الفلسطيني.
وعلى هذا النهج، ارتدى العديد من النشطاء الفلسطينيين الكوفية على الرأس أو حول الرقبة، مثل الناشطة ليلى خالد.
هل يقتصر ارتداء الكوفية على الفلسطينيين؟
بخلاف رمزيتها السياسية والثقافية، باتت الكوفية الفلسطينية جزءًا من عالم الموضة.
وظهرت الممثلة كاري برادشو في إحدى البرامج وهي ترتدي الكوفية الفلسطينية.
وهو ما دفع تجار التجزئة لبيع الكوفية كجزء من اكسسوارات الملابس بغض النظر عن تاريخها.
ولكن استخدام الكوفية بشكل واسع ضمن الموضة دون الإِشارة إلى خلفيتها يمكن أن يؤدي لتجريدها من سياقها الأصلي.
ومن هذا المنطلق واجهت شركة لويس فويتون اتهامات بالاستيلاء الثقافي في عام 2021، عندما أصدرت نسخة من الكوفية مجردة من تاريخها.
ولكن ردود الفعل العنيفة على وسائل التواصل الاجتماعي دفعت العلامة التجارية البارزة لسحبها من على موقعه على الإنترنت.
وقالت غنيم إنه “على مدى السنوات العشر الماضية، أصبحت الكوفية مخصصة لعالم الموضة دون إسناد ثقافي إلى أصولها الفلسطينية”.
وحث غنيم مرتدي الكوفية على إجراء أبحاث حول الثوب قبل ارتدائه، موضحة أن الاستيلاء الثقافي يؤدي إلى محو التاريخ.
اقرأ أيضاً:
التليفزيون السعودي.. محطات من رحلة عمرها 58 عامًا
حماس وإسرائيل: تاريخ من المواجهة (جدول زمني)
نظرية لومبروزو.. هل يمكن معرفة المجرم من شكله حقًا؟!