تتصاعد مخاوف الاتحاد الأوروبي من الصين بسبب ممارساتها التجارية التي ترى الكتلة أنها تُشكّل تهديدًا على الصناعات الأساسية، وهو ما دفعها لأن تتبنى نهجًا صارمًا في التعامل معها.
وتلعب فرنسا دورًا كبيرًا في تنفيذ وتطبيق هذا النهج، بغرض الحفاظ على اقتصاد الكتلة من أي أضرار طويلة المدى قد تلحق به بسبب بكين.
سياسية الكتلة
وبحسب ما نشرته مجلة “تايم” الأمريكية على لسان مسؤولين مطلعين على القرارات الأوروبية، فإن الاتحاد يحاول تجنب أزمة مماثلة لكارثة صناعة الطاقة الشمسية والتي حدثت قبل 10 سنوات، عندما تعرض الإنتاج الأوروبي لأضرار بالغة بسبب الواردات الرخيصة من الصين.
ويتبنى الاتحاد الأوروبي هذه السياسة الحديثة خوفًا من أن تتعرض صناعة السيارات لنفس الخطر، في ظل الدعم الذي تقدمه بكين لمصنعي السيارات الكهربائية.
ويقول المسؤولون إن النهج الجديد لا يستهدف الإضرار بالعلاقات التجارية مع الصين التي تبلغ نحو 900 مليار دولار سنويًا، ولكن إيجاد فرصة للانضمام إلى ساحة التنافس بشكل متكافئ مع القوى العظمة في العالم.
ويرى أحد المسؤولين أن ماكرون يسعى لأن يكون الاتحاد الأوروبي بمثابة قوة توازن بين أكبر اقتصادين في العالم، بما يمكنه من إقامة علاقات تجارية مع حلفاء آخرين مثل الهند.
ولكن النهج الصارم الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي أثار حالة من القلق حتى بين المسؤولين الفرنسيين، بسبب عدم وضوح ما ستؤول إليه الأوضاع التجارية.
ماذا يمكن أن يحدث؟
أبدى بعض المسؤولين تخوفهم من تأثر العلاقات التجارية بين الصين والاتحاد الأوروبي، على خلفية فتح تحقيق من قبل المفوضية الأوروبية في الدعم الصيني للسيارات الكهربائية بضغط من فرنسا.
وقال إن رد فعل بكين على هذا التحقيق بتحذيرها من أنه سيضر بالعلاقات الاقتصادية بين الطرفين، من شأنه أن يثير القلق من احتمال نشوب حرب تجارية.
وهناك دول أوروبية تخشى من النتائج العكسية لرغبة ماكرون في الانتقام من الصين مثل ألمانيا، والتي قد تؤدي للإضرار بمصدريها والدول الصغيرة التي تشعر بالقلق إزاء المنافسة غير العادلة من الشركات العملاقة.
وهذا القلق الألماني نابع من سعي ماكرون الدائم لأن يُعيد الاتحاد الأوروبي التفكير في أهدافه الاقتصادية من أجل حماية الصناعات المتدهورة، ولكن المبادرات الفرنسية في هذا الصدد لم تلق قبولًا.
وقد يؤول التحقيق الذي فتحه الاتحاد إلى فرض تعريفات جمركية جديدة، وتغيير جذري في سياسته التي تعتمد على مبادئ التجارة الحرة والأسواق المفتوحة، وذلك بغرض الحفاظ على المصلحة الاقتصادية للقارة.
وبحسب ما قاله مجتبى الرحمن، رئيس أبحاث أوروبا في مجموعة أوراسيا، فإن عدم رغبة ألمانية لتتواجد في هذه الصورة، أفسح مجالًا لدول مثل فرنسا للتنافي على النفوذ مع المفوضية الأوروبية.
وأضاف أن الإعانات المالية التي تقدمها الولايات المتحدة إلى الصناعات المحلية لتعزيزها، قد ساهم بشكل كبيرة في بلورة وجهة نظر ماكرون.
لماذا تقلق أوروبا من دعم الصين للسيارات الكهربائية؟
الدعم الذي تمنحه الصين لمصنعي السيارات الكهربائية، يُبقي أسعار هذه السيارات رخيصة، والذي من شأنه أن يرسخ لمنافسة غير عادلة في هذا المجال.
ويقول دومبروفسكيس من الاتحاد الأوروبي في بكين، إن الاتحاد الأوروبي يتوقع أن تسود قواعد اللعب النظيف في مجال التجارة، ولكن الدعم الصيني يُعتبر بمثابة تشويه للتجارة.
وأشار إلى أن الاتحاد يغامر بمحاولاته الاستفزازية للصين، خصوصًا في ظل ما يعيشه من أزمة طاقة بفعل الحرب الروسية الأوكرانية، وكذلك ارتفاع معدلات التضخم في منطقة اليورو.
وتابع: “ما يزيد من القلق أن التعريفات الجمركية الصينية سيكون من الصعب التنبؤ بها، وقد يكون لها القدرة على توريط مجموعة من أكبر الشركات في القارة، بما في ذلك المجموعات الفاخرة الفرنسية التي يعد أكبر اقتصاد في آسيا سوقًا رئيسيًا لها”.
بدوره يرى كبير الاقتصاديين في سوسيتيه جنرال، ميكالا، أن استمرار أوروبا في تطبيق إجراءاتها الجديدة تجاه السيارات الصينية، من الممكن أن يعرّض سوق السيارات الألمانية للخطر جراء انتقام الصين.
صراع غير متوازن
تقول شركة أليانز تريد، إن خسائر الصين من فرض الاتحاد الأوروبي زيادة بمقدار نقطة مئوية واحدة في التعريفات الجمركية، لن تتعدى 8.4 مليارات دولار.
وترى الشركة أنه في حين أن المبلغ قد يكون كبيرًا إلا إنه لا يمثل سوى 0.2% من الصادرات الصينية، مقارنة بنحو 1.5% من واردات الاتحاد الأوروبي.
من ناحية أخرى قد تشهد السلع التي يعتمد الاتحاد الأوروبي على الصين في الحصول عليها ارتفاعًا في الأسعار، في حين أن الصين يمكن أن تتغلب على مشكلة مماثلة باللجوء إلى أسواق أخرى.
وترسم رئيسة الأبحاث الاقتصادية في أليانز تريد، لآنا بواتا، سيناريو أكثر قتامة، إذ تتوقع أن تدفع إجراءات الاتحاد الأوروبي تجاه الصين نحو المزيد من الركود، خصوصًا في ظل مستويات التضخم المرتفعة وسياسة التشديد النقدي التي ينفذها لبنك لمركزي الأوروبي.
فرنسا تطالب ” Apple” بسحب آيفون 12 من الأسواق.. لماذا؟
بعد انقلابات إفريقيا.. من سيحل بديلًا لفرنسا في القارة السمراء؟